عنه فقال يا نبي الله آمنا برسول الله وصدقناه، ومن ينجو منا قليل؟ فأنزل الله (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فقال قد أنزل تعالى فيما قلت، فقال رضينا عن ديننا وتصديق نبينا، فقال صلى الله عليه وسلم من آدم إلينا ثلّة، ومنا إلى يوم القيامة ثلة، ولا يستتمها إلا سودان من رعاة الإبل ممن قال لا إله إلا الله. وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عرضت عليّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط تصغير رهط وهو دون العشرة وتستعمل للأربعين كما مر في الآية الأولى من سورة الجن المارة، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد، إذ رفع إلي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه، ولكن أنظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم، فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ثم نهض فدخل منزله فخاض القوم في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، قال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله، وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله، وذكروا أشياء، فخرج رسول الله عليهم فقال ما الذي تخوضون فيه؟ فأخبروه فقال: هم الذين لا يرقون ولا يسترقون (أي لا يقرأون على الناس ولا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم من تعاويذ وغيرها لأنهم متوكلون على الله تاركون الأسباب لمسببها) ولا يتطيرون (يتشاءمون من شيء) وعلى ربهم يتوكلون في كل أمورهم.
فقام عكاشة بن محصن فقال يا رسول الله أدع الله أن يجعلني منهم، فقال أنت منهم، فقام رجل آخر فقال يا رسول الله أدع الله أن يجعلني منهم، فقال سبقك بها عكاشة.
وليعلم أن الآية الأخيرة غير ناسخة للأولى، لأن الأولى في السابقين الأولين، وهم قليل بالنسبة للأمم قبلهم، ولذلك قال تعالى وقليل من الآخرين، والآية الثانية في أصحاب اليمين وهم كثير، ولذلك قال وثلة من الآخرين، وما جاء في بكاء عمر وحزنه في الحديث السابق المروي عن عروة والحديث الذي رواه أبو هريرة في معناه وزاد فيه فنسخت، وقليل من الآخرين أي منهم، فيكثرهم الفائزون