أفاعي وحبالا، فلما ابتلعت عصا موسى بقدرة الله ذلك الزئبق منها وأزال الله ما خيّلوه للناس، عادت على حالها، ففضحهم الله وأظهر شعوذتهم وإنما لم ينكروا ما رأوه لأن الحيات من عادتها أنها تبلع ما تراه من عصي وغيرها، ويوجد الآن في البرازيل حيات تبلع الجمل، والابتلاع من طبعها، والعقل لا يصدق أن العصي والحبال تبلع شيئا، وإنما امتصاص الزئبق الذي في تجاويف تلك الحبال والعصي هو الذي يصدقه العقل، فكان إبطال حركة العصي والحبال بسبب ذلك الامتصاص، وهذا مما يركن إليه العقل وهو من اكبر الأدلة على إعجاز القرآن وأكملها، فقد جمع فأوعى، وهذه الحكمة في قوله تعالى تلقف ما يأفكون، وجاء في الآية ٦٩ من سورة طه (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) أي الذي صنعوه في العصي والحبال من إلقاء الزئبق فيها، وهو المراد بالإفك هنا، وذلك أن الله تعالى جعل قوة مادية في عصا موسى تلقف ما موهوه في عصيهم وحبالهم، قال تعالى «فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ» ٤٦ الله تعالى إذ ظهر لهم أن فعل عصا موسى جاوز حد السحر، ولذلك فإنهم لم يتمالكوا أنفسهم فسقطوا على الأرض سجدا، إذ تيقنوا أن أمر موسى سماوي «قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ ٤٧ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ» ٤٨ خصوهما بالذكر لدفع توهم إرادة فرعون من دعواه الإلهية وجهل قومه الذين يدعون إلهيته، ولو وقفوا على رب العالمين فقط، لقال فرعون إياي يعنون ليموّه عليهم «قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ» بالإيمان به «إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ» فتواطأتم معه عليه، وقد جاء في آية الأعراف المارة عدد ١١٣ (إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ) قبل حضوركم مكان الاجتماع، وانما قال هذا يلبس على قومه انهم لم يؤمنوا على بصيرة ثم بدأ يهددهم فقال «فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ» ٤٩ وبال فعلكم هذا، ثم أقسم وأكد قسمه بقوله «لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ» ٥٠ مر تفسير مثله في الآية ١٢٣ من الأعراف «قالُوا لا ضَيْرَ» لا ضرر فيما ينالنا من عذابك، لأنه منقطع في الدنيا «إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ» ٥١ رحمته الدائمة في الآخرة مؤمّلين عفوه عما صدر منا ونجاتنا من عذابه الأليم الدائم