القليلة، وإنما أكدها بقوله قليلون، باعتبار أنهم أسباط، وكل سبط قليل عنده فجمع قليل على قليلين، وانما أوقع الله في قلب فرعون هذا ليتم مراده فيه، ويجعل كيده في نحره، ويكون كالباحث عن حتفه بظلفه، وقال في خطبته «وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ» ٥٦ مغضبون مضيّقون صدورنا لمخالفتهم أمرنا، وخروجهم دون إذننا، وأخذهم أموالنا مع قلتهم وذلّتهم «وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ» ٥٧ والحذر من عادتنا والتيقظ والاحتراز، واستعمال الحزم، وأخذ الأمور بالعزم والصبر على الشدة ديدننا، ومن مقتضى المخلين بالأمور الضرب الشديد عليهم، وعلى القوي دائما أن يتقي الأمة الضعيفة إذا خرجت عن سلطانها من أن ينضم إليها ما هو من جنسها، فتشكل قوة يخشى منها، ولذلك علينا أن نسارع إلى قمع شوكتهم، وحسم مادة التشوف لأمثالهم، حتى يعرف كل واحد مكانه ولا يتعدى طوره، فنقابل جرأتهم هذه بالقوة، لئلا يقدم مثلهم فيما بعد على مثل عملهم هذا.
فأظهر لهم بخطابه قوة شكيمته وأغراهم حتى أخرجهم جميعا من بلادهم ولحقوا بموسى وقومه ليردوهم إلى مصر ويضيقوا عليهم أكثر من ذي قبل انتقاما منهم، قال تعالى «فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ» ٥٨ من بلادهم الموصوفة بذلك «وَكُنُوزٍ» من ذهب وفضة تركوها فيها وإنما سماها الله كنوزا لأنهم لم يؤدوا حق الله منها وكل مال هذا شأنه يسمى كنزا، قالوا كان لفرعون ثمانمائة ألف غلام كل غلام على فرس عتيق في عنق كل فرس طوق من ذهب «وَمَقامٍ كَرِيمٍ» ٥٩ مجلس حسن بهي بهيج، قالوا وكان إذا قعد على سريره وضع بين يديه ثلاثمائة كرسي من الذهب يجلس عليها أشراف قومه وأمراؤهم وهم ملأوه أهل الحل والعقد من وزراء ووكلاء وما ضاهاهم مغشاة بأقبية الديباج «كَذلِكَ» كان فرعون وملأوه من العظمة والأبهة، ولما لم يشكر الله على ما أولاه من ذلك المقام، وكفر هذه النعمة وادعى الإلهية فوقها، سلبنا ذلك كله منه ومن قومه «وَأَوْرَثْناها» أي الجنان والكنوز والمقامات وغيرها «بَنِي إِسْرائِيلَ» ٦٠ حيث رجعوا إلى مصر بعد إغراق القبط واستولوا على ديارهم وأموالهم، قال تعالى حاكيا كيفية إغراقهم على الإجمال «فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ» رأى قوم فرعون