وليس على عبد تقي نقيصة ... إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم
وخسة الصنعة خير من السؤال قال الأصمعي رأيت زبالا ينشد:
وأكرم نفسي إنني إن أهنتها ... وحقّك لا تكرم على أحد بعدي
فقلت له وما بعد هذه الإهانة؟ قال السؤال منك، فحجني ووليت. وكذلك عدم النسب لا يزري بالشرف، قال تعالى (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) الآية ١٠٢ من سورة المؤمنين في ج ٢، وقال تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ) الآية ١٣ من سورة الحجرات في ج ٣، وقال صلّى الله عليه وسلم: أنا جد كل تقي، وقال:
لا فضل لأسود على أحمر ولا لعربي على عجي إلا بالتقوى، وقال القائل:
وليس بنافع نسب زكي ... تدنسه صنائعك القباح
وقال أيضا:
لا ينفع النسب من هاشم ... إذا كانت النفس من باهله
على أن الإسلام قد ساوى بين أكثر الناس واحتفظ بحق الشرف الاصلي للرجل فقال صلّى الله عليه وسلم: خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا. وقال القائل:
أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم
وليعلم أن الغنى غنى الدين، والنسب نسب التقوى، والرفع والخفض من جهتهما
لقد رفع الإسلام سلمان فارس ... وقد وضع الشرك الحسيب أبا لهب
والصنعة مهما كانت حقيرة خير من ذل السؤال، وأحفظ لماء وجه الرجل، ولا يجوز أن يسمى المؤمن رذيلا ولو كان أفقر الناس مالا وأوضعهم نسبا وأخسهم صنعة، وما زالت اتباع الرسل بادي الرأي كذلك، وأتباع الصالحين من بعدهم حتى الآن، فترى أكثر علماء المدن وصالحيها من القرى ومن عادي الناس، لكن مع الأسف بعد أن رفعهم العلم وينالوا الشرف على الناس بسلّمه الذي صعدوا عليه ترى خلفهم عمدوا إلى تحطيم ذلك السلم واعرضوا عن العلم الذي هو أساس شرفهم وتقدمهم، فما تحس بهم إلا وقد أخمد الله تلك الشعلة النورانية فيهم، فصاروا من أحسن الناس بسوء عملهم، قال تعالى: (ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ