داود عن أبي هريرة كان يقول: استووا ثلاثا، والذي نفسي بيده إني لأراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي. وفي رواية هل ترون قبلتي هاهنا، فو الله ما يخفى عليّ خشوعكم ولا ركوعكم، إني لأراكم من وراء ظهري. فكل هذا يدل على أن الله تعالى خصّه بأشياء دون سائر البشر، ويتفرع عن هذا القول بأنه هل كان جبريل عليه السّلام ينزل بالألفاظ القرآنية المحفوظة له بعد ان تنزل القرآن جملة واحدة من اللوح إلى بيت العزة أو التي يحفظها من اللوح عند الأمر بالإنزال، أو التي يوحي بها الله إليه فيسمعها منه سبحانه فيلقيها الى قلب الرسول على ما هي عليه، وعلى الصفة التي يبلغها لقومه ويثبتها في المصاحف من غير تغيير أصلا، أو أن جبريل تلقى عليه المعاني القرآنية من الحضرة الأزلية وهو يعبر عنها بألفاظ عربية ويلقيها على حضرة الرسول، أو أن جبريل ينزل بالمعاني التي يتلقاها من ربه فيعبر عنها بألفاظ عربية خاصة ثم يلقيها الى حضرة الرسول، وأنه يعلم ما يلقيه عليه فيعبر عنه لقومه بلغتهم ويثبتها بالمصاحف فهذه أقوال تضاربت بها العلماء، وأرجحها هو أن الألفاظ نفسها منه عز وجل كالمعاني لا دخل لجبريل فيها أصلا، وكان صلّى الله عليه وسلم يسمعها ويعيها بقوى إلهية قدسية يهبها الله له لا كسماع البشر إياها منه عليه السّلام وإلا لسمعها من كان عنده كما سمعها هو، ولذلك كان صلّى الله عليه وسلم عند نزول الوحي تنعقل قواه البشرية فيظهر على جسده الشريف ما يظهر ويعرفه من يراه ويسمى برحاد الوحي، أي ثقله حتى يظن أنه أغمي عليه في بعض الأحايين، وعلى هذه الصورة فانه يسمع كلام الله المنزل إليه بواسطة جبريل أصواتا وحروفا منظومة مسموعة منه يختص هو وحده بسماعها دون غيره، فعلى هذا يظهر لك أصح الأقوال هو الأول، وأن القول الثاني يخالف معنى النزول من الحضرة القدسية، لأن من قال إن القرآن هو الألفاظ الدالة على المعنى القائم بذاته تعالى فيكون انزاله مجرد إثباته في اللوح المحفوظ، ومن قال إن القرآن معنى قائم بذات الله تعالى فيكون انزاله إيجاد الكلمات والحروف الدالة على ذلك المعنى وإثباتها في اللوح المحفوظ، وعلى كلا القولين فإنّ الأمين عند أمره بإلقائه الى حضرة الرسول، فإنه ينزل بما هو موجود في اللوح، فلا يصح أن يقال انه ألقيت عليه المعاني وهو عبر عنها بألفاظ عربية، وأما القول الثالث فاختصت به الباطنية