للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك أن الله تعالى يخلق لمثل هؤلاء العلم في قلوبهم مما فيه المنافع واللذات الدنيوية، ولم يخلق فيها خوف المضار والآفات، لذلك يرون أعمالهم القبيحة حسنة «فَهُمْ يَعْمَهُونَ» ٤ يترددون في حيرتهم كما يفعل الضال عن الطريق السوي، لأن العمه هو عمى القلب لا ينفع البصر «أُوْلئِكَ» الذين هذه صفتهم «لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ» في الدنيا قتلا وأسرا وجلاء وإهانة وذلا «وَهُمْ» مع خسارتهم الدنيا «فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ» أيضا على ما فرطوا من دنياهم وأفرطوا في أمر آخرتهم، فتراهم كثيري الخسارة والحسرة والندم، لأن الإنسان يعمل في الدنيا ليربح في الآخرة، فكيف إذا خسر فيهما فيكون من الذين خسروا أنفسهم وأهليهم ولم ينتفعوا بأعمالهم فيساقون إلى جهنم، وهذا غاية الخسران لا سيما إذا رأوا نجاة المؤمنين الذين كانوا يسخرون منهم في الدنيا «وَإِنَّكَ» يا سيد الرسل «لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ» بواسطة أميننا جبريل الذي يأتيك به «مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ» وأي حكيم لأن التنوين والتنكير يدلان على التعظيم والتفخيم، والحكمة هي العلم بالأمور العالية والعلم قد يكون علما وقد يكون نظرا فهو أعم من الفقه «عَلِيمٍ» بما كان لدينا قبل كونه وما يكون فينا قبل أن يكون، واذكر لقومك يا سيد «إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ» زوجته ومن كان معها من ابنه وخادمه «إِنِّي آنَسْتُ ناراً» أبصرت ما استانس به لحاجتكم، لأن الوقت كان ليلا وباردا ولم يعرفوا الطريق أيضا، فامكثوا مكانكم لأذهب لمكانها، و «سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ» عن الطريق «أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ» تستدفئون به إن لم أجد من يهدينا الطريق ونبقى هنا حتى يتبين لنا ذلك، والشهاب الشعلة من النار، والقبس النار المقبوسة منها، أو العود الذي في أحد ظرفيه نار، وهو ما تعورف به عندنا الآن، وقرىء بشهاب قيس على الإضافة وهي قراءة جائزة إذ ليس فيها نقص ولا زيادة ولا تبديل في المعنى بخلاف ما بيناه في الآية ١٦٦ من البقرة المارة «لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ» ٧ تستدفئون، لأن الوقت شتاء، فأجابوه لما طلب، فتركهم وذهب، وكان في إضلالهم الطريق هداهم راجع الآية ١٠ من سورة طه المارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>