فيه فتنشر الأموات من مدافنها أحياء بأمر الله وإرادته
فيهم فيهرولون نحو الصوت سراعا لا يميلون عنه، قال تعالى (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ) الآية ١٠٨ من سورة طه المارة وليعلم أن سيدنا إسرافيل عليه السلام منتظر دائما ربه سبحانه، فعند ما يتلقاه يفاجأ الكون به حالا، أما ما قاله الألوسي في الغالبة بان النفخات ثلاث، مستدلا بهذه الآية إذ سماها نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة البعث، ويؤيد استدلاله بآية ص المارة وهي (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ) ١٥ فهو قول لا مستند له ولا يفهم من هذه الآية الا مطلق نفخة وتحمل بالنسبة لسياق التنزيل على النفخة الثانية كما بيناه في تفسيرها فراجعه وبما أن الإجماع على أنهما نفختان لا ثالثة لهما فكل قول يخالفه لا قيمة له، ولهذا لا عبرة يقوله هذا رحمه الله فلا يؤخذ به لعدم استناده على دليل قاطع ولانفراده بهذا القول وحده. قال تعالى «وَتَرَى الْجِبالَ» رأي العين «تَحْسَبُها جامِدَةً» ساكنة واقفة قائمة في أمكنتها ممكة عن الحركة «وَهِيَ» والحال أنها تسير سيرا حثيثا «تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ» الذي تسيره الرياح بسرعة عظيمة وتجزأه أجزاء على عظمه وهكذا الأجرام الكبيرة إذا تحركت نحو سمت واحد تراها واقفة بلا شك إذ لا يكاد يحس بحركتها لاجتماعها وكثرتها والتصاقها بعضها ببعض.
قال النابغة الجعوي في وصف جيش عظيم:
بأرعن مثل الطود تحسب أنهم ... وقوف لجاج والركاب تهملج
وقيل المراد بالسير هو الوسط.. قال الأعشى:
كأن مشيتها في بيت جارتها ... مر السّحابة لا ريث ولا عجل
والأول أولى بالمقام لأن المراد بمر السّحاب سيره إذا شتتته الريح، فلا ترى أسرع منه، لهذا حسن التشبيه. قال تعالى إن هذا الصنع البديع العجيب المتقن في حركة الجبال هو «صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي» يعجز عنه الخلق أجمع كيف لا وهو «أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ» خلقه وأحكمه وسواه فأحسنه على ما تقتضيه حكمته البالغة «إِنَّهُ» الفاعل لذلك «خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ» في هذه الدنيا من الطبائع الحسنة والسيئة، ومن الأعمال الطيبة والقبيحة، وأنه يوم ترجعون إليه سيكافئ الخير خيرا والشرير شرا.