للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العباد إلى بدايع حكمه التي كان غافلا عنها الغافلون من أكثر الناس عند نزولها وبعده، وان المار ذكرهم في الآية ٧٣ المارة لا شك يعلمونها، وان المراد بهذا الصنع العجيب والإتقان البديع في دورانها الرحوى بصورة دائمة منتظمة بتنظيم الحكيم القادر تنظيما لا يعتريه الخراب مستمرا دائما إلى اليوم الذي يريد فيه خراب كونه، فتكون كسائر الأجرام الأرضية والسماوية داخلة في قوله تعالى (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) الآية ٤٠ من سورة يس المارة، ومثلها الآية ٢٢ من الأنبياء وفي ج ٢، فاذا جاء ذلك اليوم المقدر لخرابها دخلت في معنى الآيات المارة الدالة على الخراب، راجع الآية ٥٤ من سورة الأعراف المارة. هذا ما رأيته وعلى من بعدي أن ينتقدوا أو يحبذوا وهنا مسألة، وهي أن القاضي عبد الجبار استدل بعموم قوله تعالى (أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) على أن قبائح العبد ليست من خلقه سبحانه، والأوجب وصفها بالإتقان والإجماع مانع منه، وأجيب بأن الآية مخصوصة بغير الأعراض، لأن الإتقان بمعنى الإحكام وهو من أوصاف المركبات القائمة بنفسها القابلة للخرق والالتئام، أما الأعراض القائمة بغيرها فلا تقبل ذلك، وعليه فلا يستقيم ما أراده حضرة القاضي، ولو سلم أنها غير مخصوصة فوصف كل الأعراض به ممنوع، إذ ما من عام إلا وقد خصص، وهذا من المخصوص ولو سلم أن وصف كل الأعراض به غير ممنوع وأنه غير مخصوص من العموم فالإجماع المذكور يقوله (ان الإجماع مانع من عدّ القبائح متقنة) ممنوع بل هي متقنة أيضا، بمعنى أن الحكمة اقتضتها وما تقتضيه الحكمة فهو متقن والإتقان نسبيّ لكل بحسبه، وبما أن هذه الآية لم يفسرها مفسّر بما فسرتها الآن ولم يطرق موضوعها طارق بما ذكرته لحد الآن، وقد أقدمت عليه لا ترك للقراء الكرام والعلماء الأعلام مجالا لتمحيصه إيجابا أو سلبا قبولا أو ردا، وفتحت لهم هذا الباب ليقروه إذا رأوه موافقا لا سيما وأن علم الفلك يقره، وإجماع أهل العصر على أن الأرض هائمة ولها دورتان يومية وسنوية، أو يغلقوه على هذا القاضي كما أغلقوه على القاضي عبد الجبار المار ذكره، والله ولي التوفيق. قال تعالى

«مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ» الخصلة الطيبة من أقوال وأفعال وأخلص لله وحده وآمن بكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر

<<  <  ج: ص:  >  >>