ما قيل ان هذه الآية نزلت ردا على قول الوليد بن المغيرة (لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) الآية ٣١ من الزخرف في ج ٢ فغير وجيه لأن هذه الآية لم تنزل بعد ولم يتفوّه بمقالته هذه بعد، وكذلك ما قيل إنها نزلت ردا لقول اليهود:(لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل لآمنا به) كما سنفصّله في الآية ٣٨ من سورة البقرة في ج ٣، لأن هذه الآية مكية بالاتفاق وليس بين اليهود وحضرة الرسول أخذ ورد في مكة، ولا يصح جعل ما في قوله تعالى (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) موصولة باعتبارها مفعولا ليختار، أي يجعل الوقف على ما يشاء والابتداء بقوله ويختار وتسليطه على ما باعتبارها مفعولة، وعليه يكون المعنى ويختار الذي فيه الخير والصلاح لهم على أن يكون ذلك الاختيار بطريق التفضل والكره عند أهل السنة والجماعة، وبطريق الوجوب عند المعتزلة، بل ما في الآية نافية، لأن اللغة لا تساعد أن تكون الخيرة بمعنى الخير، ولأن قوله تعالى بعد «سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» لا يناسب المقام، كما أنه لا يناسب ما قبله وهو (يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ) على الإطلاق لأن في حصره بالأصلح قيدا والله منزه عن القيد، ولأن فيه حذف العائد إذا جعلت ما بمعنى الذي، فيحتاج الى ضمير يعود اليه، إذ لاتتم الآية، ولا يوجد، ولمخالفته ظاهر الآية، تدبر، قال تعالى «وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ» تخفيه من عداوة لك يا محمد «وَما يُعْلِنُونَ» ٦٩ منها فيما بينهم من قولهم هلا اختار الله غير هذا للنبوة، قاتلهم الله ما كان لهم الخيرة من أمرهم، فكيف يتمنون على الله الأماني ويعترضون عليه، راجع تفسير الآية ١٣٤ من سورة الأنعام في ج ٢ «وَهُوَ اللَّهُ» المستأثر بالإلهية والاختيار وحده وجملة «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» تقرير لاختصاصه بها كقولك القبلة الكعبة لا قبلة غيرها، لا كقولهم الحج عرفة، لأن عرفة معظم الحج لا كله وهذا الإله المنزّه المنفرد بالألوهية المتصرف بجميع ما في الكون ناميه وجامده، جوهره وعرضه «لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى» أي الدنيا لأنها قبل الآخرة «وَالْآخِرَةِ» لكونها بعد الدنيا، أما البرزخ الكائن بينهما فهو حاجز غير حصين لانتهائه بها، ومن هذا الحمد قول السعداء في الجنة (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) الآية ٣٣