قرن عبادته بالإحسان إليهما، وقال في الآية ١٤ من سورة لقمان (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) الآية في ج ٢، فقد قرن شكره بشكرهما أيضا إيذانا بعظيم حقهما وإعلاما بأن من لم يحسن إليهما لم يعبد الله، ومن لم يشكرهما لم يشكر الله، فالسعيد من وفق لبرهما والشقي من عقهما. ولهذا البحث صلة في تفسير الآيتين الآنفتي الذكر فراجعهما. هذا والأم مقدمة في البرّ على الأب لزيادة حقها ولضعف جانبها، فهي مستوجبة للإحسان زيادة على الأب، فعلى العاقل الموفق أن يبذل جهده ووسعه ببرهما، ولتكن معاملة الإنسان لمثله باللطف وللضعيف بالإحسان، وللمريض بالعطف، وللفقير بالمعونة، وللجاهل بالتعليم، وللعالم بالأدب، وللعامل بالعمل، وللمخترع بالتشجيع، وهكذا لكل بما يناسبه. واعلم أنه لا يختص البر بالحياة فقط بل يكون بعد الموت أيضا، فقد روى ابن ماجه أن رجلا قال يا رسول الله هل بقي من برّ أبوي شيء أبرهما به؟ بعد موتهما فقال نعم الصلاة عليهما، أي الدعاء والاستغفار لهما وإيفاء عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما. وروى هذا الحديث ابن حبان في صحيحه بزيادة قال الرجل ما أكثر هذا يا رسول الله وأطيبه، قال فاعمل به. وأخرج البيهقي عن أنس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم إن العبد ليموت والداه أو أحدهما وانه لهما لعاق فلا يزال يدعو لهما ويستغفر لهما حتى يكتبه الله تعالى بارّا. وأخرج عن الأوزاعي قال بلغني أن من عقّ والديه في حياتهما ثم قضى دينا إن كان عليهما واستغفر لهما ولم يستب لهما، كتب بارّا، ومن برّ والديه في حياتهما وقام بواجبهما كما ينبغي حتى ماتا مدينين وكان مقتدرا على أداء دينهما ولكنه استنكف ولم يستغفر لهما واستبّ لهما كان عاقا. وأخرج هو أيضا وابن أبي الدنيا عن محمد بن النعمان يرفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلم قال من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة غفر له وكتب برّا. وروى مسلم أن ابن عمر رضي الله عنهما لقيه رجل بطريق مكة فسلم عليه ابن عمر وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه، قال ابن دينار فقلت أصلحك الله تعالى إنهم الأعراب وهم يرضون باليسير، فقال إن أبا هذا كان ودا لعمر بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: إنّ أبرّ البرّ صلة الولد أهل ودّ أبيه.