الدينار لا يكون كبيرة، ويقيس عليه التطفيف، لأن هذا من مقاييس إبليس التي مرت لك في الآية ١٢ من الأعراف، ولا محل لها هنا، لأن الآية أوجبت الوفاء بالكيل والميزان، والله تعالى يقول (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) الآية ٨٣ من هود في ج ٢، فكل نقص مهما كان تافها يعد مخالفة لكلام الله، ومخالفة كبيرة عظيمة لا يختلف فيها اثنان، على أن الغصب ليس مما يدعو قليله إلى كثيره، لأنه يكون على سبيل القهر والغلبة بخلاف التطفيف فتعيين التنفير منه بأن كلا من قليله وكثيره كبيرة أخذا بما قالوه في شرب القطرة من الخمر إنه كبيرة وإن لم يوجد فيها مفسدة وهو السكر وزوال العقل واللغو والتأثيم لأن قليله يدعو إلى كثيره، ومثل التطفيف في الكيل والوزن النقص في الذرع وجر السلعة حالة الذرع، ويوشك أن لا يكاد في هذا الزمن كيال أو وزان أو ذراع يسلم من نقص إلا من عصمه الله تعالى، أجارنا الله من النقص المادي والمعنوي بمنه وكرمه، قال تعالى «وَلا تَقْفُ» لا تتبع أيها الإنسان «ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» من أحوال الناس وقرىء (ولا تقفوا) بإشباع الضمة حتى ولد منها واوا، ومعنى قفا اتبع قفاه، ثم استعمل في مطلق الاتباع وصار حقيقة فيه، يقال قاف أثره يقوفه إذا قصّه واتبعه، أي لا تتبع ما لا علم لك له من أقوال الناس وأفعالهم، فتقول رأيت كذا من فلان وسمعت كذا من الآخر، وإياك أن ترمي أحدا بالظن وتغتابه في قفاه.
مطلب آداب الله الذي أدب خلقه ووصايا الصوفية واعتبار الظن والسماع في بعض الأوقات:
هذا نهي الله تعالى لكم أيها الناس من أن تحكموا بما لم تحققوا، فكيف بمن يقول رأيت وسمعت وهو لم ير ولم يسمع، فذلك البهت، وذلك الافتراء، وذلك الاختلاق، راجع الآية ١١٠ من النساء والآيتين ٦ و ١٢ من سورة الحجرات، والآية ٥٨ من الأحزاب في ج ٣، والآية ٣٦ من سورة يونس ج ٢، إذ يتدرج تحت هذا أمور كثيرة اقتصر المفسرون على بعضها، فمنهم من قال المراد فيها نهى المشركين عن القول بالإلهيات والنبوات تقليدا لأسلافهم واتباعا لليهود، وقال محمد ابن الحنفية رضي الله عنه: النهي عن شهادة الزور، وقيل المراد النهي عن القذف ورمي المحصنات الآتي ذكره في الآية ٣ فما بعدها من سورة النور في ج ٣، قال الكميت: