الخوف، وفي الآية دليل على أن رجاء الرّحمة وخوف العذاب مما لا يخلّ بكمال العابد، وقد شاع عن بعض العابدين أنه قال لست أعبد الله تعالى رجاء جنّته ولا خوفا من ناره. والناس بين قادح لمن يقول ذلك ومادح، والحق التفصيل، وهو أن من قال هذا إظهارا للاستغناء عن فضل الله ورحمته فهو مخطئ كافر، ومن قاله اعتقادا بأن الله تعالى أهل للعبادة لذاته بحيث لو لم يكن هناك جنّة ولا نار لكان أهلا لأن يعبد فهو محقق عارف كامل. والعبادات ثلاث عبادة للرياء والسمعة فهي مخادعة داخل أهلها في قوله تعالى (يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الآية ٩ من سورة البقرة ج ٣، وعبادة للخوف والرجاء فهي مسقطة للفرض وبالدرجة الثانية الوسطى، فإذا لم يقصد منها الاستغناء فهي داخلة في معنى الآية المفسرة وإلا فهي الوسطى في نار جهنم، وعبادة خلاصة لله تعالى بقصد الاستحقاق لذاته وصرف النظر عن الخوف والرجاء فهي العبادة الحقيقية الموصلة إلى الله عز وجل الموصوف أهلها بقوله تعالى (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) الآية ١٩٠ من آل عمران في ج ٣، وفي اتحاد أسلوب الجملتين إيماء إلى تساوي رجاء أولئك الطالبين الوسيلة إليه تعالى بالطاعة والعبادة وحذرهم منه «إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً» ٥٧ يخافه كل أحد من ملك ومملوك ومن ملك وولي مقرب أو نبي مرسل، فضلا عن بقية الخلائق، وجدير بأن يحذره ويحترز منه كل أحد، وهذه الجملة تعليل لقوله تعالى ويخافون إلخ، وفي تخصيصها بالتعليل زيادة تحذير الكفرة من العذاب.
انتهت الآية المدنية. قال تعالى «وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ» من القرى والتنوين هنا يفيد التعميم، لأن إذ نافية بمعنى ما، ومن صلة مؤكدة لاستغراق النفي، فتفيد العموم أيضا «إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها» بإبادة أهلها وتخريبها بعدهم أو هدمها عليهم أو قلبها بهم أو بسبب آخر، ويكون هذا «قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ» عند النفخة الأولى قال تعالى (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ، وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) الآيات من سورة الحاقة في ج ٢ لأن القيامة لا تقوم إلا بعد إتلاف هذا الكون بما فيه «أَوْ مُعَذِّبُوها» أي أهلها بالقتل وأنواع البلاء «عَذاباً شَدِيداً» لا تقواه قوى أهلها ولا يقدرون على رفعه عنهم