دماءهم، وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم، وأن يسيروا إلى أذرعات الشام، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيراً وسقاء (ما ظننتم أن يخرجوا) هذا خطاب للمسلمين أي ما ظننتم أيها المسلمون أن بني النضير يخرجون من ديارهم لعزتهم ومنعتهم، وذلك أنهم كانوا أهل حصون مانعة، وعقار ونخيل واسعة، وأهل عدد وعدة.
(وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله) أي وظن بنو النضير أن حصونهم تمنعهم من بأس الله، والفرق بين هذا التركيب، وبين النظم الذي جاء عليه، أن في تقديم الخبر على المبتدأ دليلاً على فرط وثوقهم بحصانتها، ومنعها إياهم، وفي تصيير ضميرهم اسماً لأن وإسناد الجملة إليه دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة، لا يبالي معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع في مغارتهم، وليس ذلك في قولك: وظنوا أن حصونهم تمنعهم.
(فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) أي أتاهم أمر الله من حيث لم يخطر ببالهم أنه يأتيهم أمره من تلك الجهة، وهو أنه سبحانه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، بقتالهم وإجلائهم، وكانوا لا يظنون ذلك وقيل: هو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف قاله ابن جريج والسدي وأبو صالح، فإن قتله أضعف شوكتهم، وقيل: إن الضمير في أتاهم ولم يحتسبوا للمؤمنين أي فأتاهم نصر الله من حيث لم يحتسبوا والأول أولى لقوله (وقذف في قلوبهم الرعب) فإن قذف الرعب كان في قلوب بني النضير، لا في قلوب المسلمين، قال أهل اللغة: الرعب الخوف الذي يرعب الصدر، أي يملأه، وقذفه إثباته فيه، قيل: وكان قذف الرعب في قلوبهم بقتل سيدهم كعب بن الأشرف والأولى عدم تقييده بذلك وتفسيره به (١)، بل المراد بالرعب الذي قذفه الله في قلوبهم هو الذي ثبت في الصحيح.
" من قوله صلى الله عليه وسلم: نصرت بالرعب مسيرة شهر ".