رحم محرم، واختلفت الأحاديث في قدر المدة، ففي لفظ ثلاثة أيام وفي لفظ يوم وليلة وفي لفظ بريد، وقد ذكر بعض المفسرين ههنا أحكاماً تتعلق بالحج وأطال في ذكرها، ومحلها كتب الفروع فلا نذكرها.
(ومن كفر)" من " شرطية وهو الظاهر أو موصولة قيل إنه عبر بلفظ الكفر عن ترك الحج تأكيداً لوجوبه وتشديداً على تاركه، وقيل المعنى ومن كفر بفرض الحج ولم يره واجباً، وقيل أن من ترك الحج وهو قادر عليه فهو كافر، وعن ابن عمر: من كفر بالله واليوم الآخر، وعن ابن زيد من كفر بهذه الآيات.
وعن ابن مسعود ومن كفر فلم يؤمن فهو الكافر، وقيل هو الذي إن حج لم يره براً، وإن قعد لم يره إثماً، وقيل نزلت في اليهود وغيرهم من أصحاب الملل. قالوا الحج غير واجب وكفروا به، وعلى هذا تكون الآية متعلقة بما قبلها، وقيل إنه كلام مستأنف كما تقدم عن ابن عمر.
(فإن الله غني عن العالمين) الإنس والجن والملائكة وعن عبادتهم، وبالجملة في قوله هذا من الدلالة على مقت تارك الحج مع الاستطاعة وخذلانه وبعده من الله سبحانه ما يتعاظمه سامعه ويرجف له قلبه، فإن الله سبحانه إنما شرع لعباده هذه الشرائع لنفعهم ومصلحتهم، وهو تعالى شأنه وتقدس سلطانه غني لا تعود إليه طاعات عباده بأسرها بنفع.
وقد وردت أحاديث في تشديد الوعيد على من ملك زاداً وراحلة ولم يحج فأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج بيت الله فلا عليه بأن يموت يهودياً أو
نصرانياً (١)؛ وذلك بأن الله يقول (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه
(١) ضعيف الجامع الصغير ٥٨٧٢. تخريج مشكاة المصابيح/٢٥٢١.