قال عبد الرحمن بن خلدون في كتاب العبر بعد ذكر أغلاط المؤرخين:
وأبعد من ذلك وأغرق في الوهم ما يتناقله المفسرون في تفسير سورة والفجر في قوله تعالى (إرم ذات العماد) فيجعلون لفظة إرم إسماً لمدينة وصفت بأنها ذات عماد أي أساطين وهي كذا وكذا ذكر ذلك الطبري والثعالبي والزمخشري وغيرهم من المفسرين، وينقلون عن عبد الله ابن قلابة من الصحابة أنه خرج في طلب إبل له فوقع عليها الخ وهذه المدينة لم يسمع لها خبر من يومئذ في شيء من بقاع الأرض، وصحارى عدن التي زعموا أنها بنيت فيها هي في وسط اليمن وما زال عمرانه متعاقباً والأدلاء تقص طرقه ولم ينقل عن هذه المدينة خبر. ولا ذكرها أحد من الإخباريين، ولا من الأمم، ولو قالوا أنها درست فيما درس من الآثار لكان أشبه إلا أن ظاهر كلامهم أنها موجودة، وبعضهم يقول أنها دمشق بناء على أن قوم عاد ملكوها، وقد ينتهي الهذيان ببعضهم إلى أنها غائبة، وإنما يعثر عليها أهل الرياضة والسحر، مزاعم كلها أشبه بالخرافات.
والذي حمل المفسرين على ذلك ما اقتضته صناعة الأعراب في لفظة ذات العماد أنها صفة إرم وحملوا العماد على الأساطين فتعين أن يكون بناء، ورشح لهم ذلك قراءة ابن الزبير عاد إرم على الإضافة من غير تنوين ثم وقفوا على تلك الحكايات التي هي أشبه بالأقاصيص الموضوعة التي هي أقرب إلى الكذب المنقولة في عداد المضحكات، وإلا فالعماد هي عماد الأخبية بل الخيام وإن أريد بها الأساطين فلا بدع وصفهم بأنه أهل بناء وأساطين على العموم بما اشتهر من قوتهم لا إنه بناء خاص في مدينة معينة كما تقول قريش كنانة والياس مضر، وربيعة نزار، وأي ضرورة إلى هذا المحمل البعيد الذي تمحل لتوجيهه لأمثال هذه الحكايات الواهية التي ينزه كتاب الله تعالى عن مثلها لبعدها عن الصحة انتهى كلامه.