وقد ذهبت الظاهرية إلى جواز الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء كما يجوز الجمع بينهما في الملك، قال ابن عبد البر بعد أن ذكر ما روى عن عثمان بن عفان من جواز الجمع بين الأختين في الوطء بالملك، وقد روى مثل قول عثمان عن طائفة من السلف منهم ابن عباس، ولكنهم اختلف عليهم ولم يلتفت إلى ذلك أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز ولا بالعراق ولا ما وراءها من المشرق ولا بالشام ولا المغرب إلا من شذ عن جماعتهم باتباع الظاهر ونفى القياس، وقد ترك من تعمد ذلك، وجماعة الفقهاء متفقون على أنه لا يحل الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء كما لا يحل ذلك في النكاح.
وقد أجمع المسلمون على أن معنى قوله (حرّمت عليكم أمهاتكم) الآية أن النكاح بملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء، فكذلك يجب أن يكون قياساً ونظراً الجمع بين الأختين وأمهات النساء والربائب، وكذلك هو عند جمهورهم وهي الحجة المحجوج بها من خالفها وشذ عنها والله المحمود انتهى.
وأقول ههنا إشكال وهو أنه قد تقرر أن النكاح يقال على العقد فقط وعلى الوطء فقط، والخلاف في كون أحدهما حقيقة والاخر مجازاً وكونهما حقيقتين معروف. فإن حملنا هذا التحريم المذكور في قوله (حرّمت عليكم أمهاتكم) الخ على أن المراد تحريم العقد عليهن لم يكن في قوله تعالى: (وأن تجمعوا بين الأختين) دلالة على تحريم الجمع بين المملوكتين في الوطء بالملك وما وقع من إجماع المسلمين على أن قوله (حرمت عليكم أمهاتكم) إلى آخره تستوي فيه الحرائر والإماء والعقد والملك لا يستلزم أن يكون محل الخلاف وهو الجمع بين الأختين في الوطء، بملك اليمين مثل محل الإجماع، ومجرد القياس في مثل هذا الموطن لا تقوم به الحجة لما يرد عليه من النقوض.
وإن حملنا التحريم المذكور في الآية على الوطء فقط لم يصح ذلك الإجماع على تحريم عقد النكاح على جميع المذكورات من أول الآية إلى آخرها،