للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخامس: أن الله لما ذكر قصة الذبح وتسليمه نفسه لله وإقدام إبراهيم على ذبحه وفرغ من قصته قال بعدها وبشرناها بإسحق نبياً من الصالحين، فشكر الله له استسلامه وبذل ولده له، وجعل من آياته على ذلك أن آتاه إسحق فنجى إسمعيل من الذبح وزاد عليه إسحق.

السادس: أن إبراهيم عليه السلام سأل ربه الولد فأجاب دعاءه وبشره به فلما بلغ معه السعي أمره بذبحه قال تعالى (وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين. رب هب لي من الصالحين. فبشرناه بغلام حليم) فهذا دليل أن هذا الولد إنما بشر به بعد دعائه وسؤاله ربه أن يهب له ولداً وهذا المبشر به هو المأمور بذبحه قطعاً بنص القرآن، وأما إسحق فإنه بشر به من غير دعوة منه بل على كبر السن وكون مثله لا يولد له، وإنما كانت البشارة به لامرأته سارة، ولذا تعجبت من حصول الولد منها.

السابع: أن إبراهيم لم يقدم بإسحق إلى مكة البتّة، ولم يفرق بينه وبين أمه، وكيف يأمره الله أن يذهب بابن امرأته فيذبحه بموضع ضرّتها وفي بلدها ويدع ابن ضرتها.

الثامن: أن الله لما اتخذ إبراهيم خليلاً، والخلّة تتضمن أن يكون قلبه كله متعلقاً بربه ليس فيه سعة لغيره، فلما سأل الولد وهب له إسمعيل فتعلّق به شعبة من قلبه، فأراد خليله أن تخلص تلك الشعبة له فامتحنه بذبح ولده، فلما امتثل خلصت تلك الخلة فنسخ الأمر بذبحه لحصول الغرض وهو العزم وتوطين النفس على الامتثال، ومن المعلوم أن هذا إنما يكون في أول الأولاد لا في آخرها، فلما حصل هذا المقصود مع الولد الأول لم يحتج إلى مثله مع الولد الآخر، فإنه لو زاحمت محبة الولد الآخر الخلة لأمر بذبحه، فلو كان المأمور بذبحه هو الولد الآخر لكان قد أقره في الأول على مزاحمة الخلة به مدة طويلة، ثم أمره بما يزيل المزاحم بعد ذلك وهو خلاف مقتضى الحكمة فليتأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>