وقد قدر أئمة الفقه أرش جراحة بمقادير معلومة، وليس هذا موضع بيان كلامهم، ولا موضع استيفاء بيان ما ورد له أرش مقدر، وفيه دليل على أن هذا الحكم كان شرعاً في التوراة فمن قال شرع من قبلنا يلزمنا إلا ما نسخ منه بالتفصيل قال هي حجة في شرعنا، ومن أنكره قال إنها ليست بحجة.
واختار الأول ابن الحاجب وهو الحق، وذهب الأشاعرة والمعتزلة إلى المنع من ذلك وهو اختيار الآمدي وقد أوضحنا هذا في كتابنا حصول الأمول.
(فمن تصدق) من المستحقين للقصاص (به) أي بالقصاص بأن عفا عن الجاني ولم يقتص منه (فهو كفارة له) أي للمتصدق يكفر الله عنه بها ذنوبه، وهذا قول ابن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص والحسن.
ويدل له ما أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " ما من مسلم يصاب بشيء في جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط عنه به خطيئة "(١) وعن أنس: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو وأخرجه أبو داود والنسائي.
وقيل: إن المعنى فهو كفارة للجارح فلا يؤاخذ بجنايته في الآخرة، وبه قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل لأن العفو يقوم مقام أخذ الحق منه، والأول أرجح لأن الضمير يعود على هذا التفسير الآخر إلى غير مذكور.
قال الحافظ ابن القيم: والتحقيق أن القاتل يتعلق به ثلاثة حقوق، حق لله تعالى، وحق للمقتول، وحق للولي، فإذا أسلم القاتل نفسه طوعاً واختياراً