والإذعان لها أسرع من السيل المنحدر وتنفعل أذهانهم لذلك أكمل انفعال.
فإذا قال المجتهد مجيباً على ذلك المقلد: إن محل النزاع هو الموازنة بيني وبينك لا بيني وبين الشافعي، فإني أعرف العدل والحق وما أنزل الله وأجتهد رأيي إذا لم أجد في كتاب الله وسنة رسوله نصاً، وأنت لا تعرف شيئاً من ذلك ولا تقدر على أن تجتهد رأيك إذ لا رأي لك ولا اجتهاد لأن اجتهاد الرأي هو إرجاع الحكم إلى الكتاب والسنة بالمقايسة أو بعلاقة يسوغها الاجتهاد، وأنت لا تعرف كتاباً ولا سنة فضلاً أن تعرف كيفية الإرجاع إليهما بوجوه مقبولة، كان هذا الجواب الذي أجابه المجتهد مع كونه حقاً بحتاً، بعيداً عن أن يفهمه العامة أو تذعن لصاحبه.
ولهذا ترى في هذه الأزمان الغريبة الشأن ما ينقله المقلد عن إمامه أوقع في النفوس مما ينقله المجتهد من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإن جاء من ذلك بالكثير الطيب.
وقد رأينا وسمعنا ما لا يشك فيه أن من علامات القيامة على أن كثيراً من المقلدين قد ينقل في حكمه أو فتواه عن مقلد مثله قد صار تحت أطباق الثرى وإمامه منه براء فيجول ويصول وينسب ذلك إلى مذهب الإمام، وينسب من يأتي بما يخالفه من كتاب أو سنة إلا الابتداع ومخالفة المذهب ومباينة أهل العلم، وهو لو ارتفعت رتبته عن هذا الحضيض قليلاً لعلم أنه المخالف لإمامه لا الموافق له.
ومن كان بهذه المنزلة فهو صاحب الجهل المركب الذي لا يستحق أنه يخاطب، بل على كل صاحب علم أن يرفع نفسه عن مجادلته ويصون شأنه عن مقاولته إلا أن يطلب منه أن يعلمه مما علمه الله، وبالله التوفيق.