من الخوف. وأصله أأمن فهو مأأمن، يقال هيمن على الشيء يهيمن إذا كان له حافظاً فهو له مهيمن، كذا عن أبي عبيد.
وقرأ مجاهد وابن محيصن مهيمناً بفتح الميم أي هيمن عليه الله سبحانه، والمعنى على قراءة الجمهور أن القرآن صار شاهداً بصحة الكتب المنزلة ومقرراً لا فيها مما لم ينسخ، وناسخاً لا خالفه منها، ورقيباً عليها وحافظاً لا فيها من أصول الشرائع، وغالباً لها لكونه المرجع في الحكم منها والمنسوخ، ومؤتمناً عليها لكونه مشتملاً على ما هو معمول به منها وما هو متروك.
(فاحكم بينهم) أي بين أهل الكتاب عند تحاكمهم إليك، وتقديم بينهم للاعتناء ببيان تعميم الحكم لهم (بما أنزل الله) أي بما أنزله إليك في القرآن لاشتماله على جميع ما شرعه الله لعباده في جميع الكتب السابقة عليه، والالتفات بإظهار الاسم الجليل لتربية الهابة والإشعار بعلة الحكم.
(ولا تتبع أهواءهم) أي أهواء أهل الملل السابقة، وقال ابن عباس: لا تأخذ بأهوائهم في جلد المحصن (عما جاءك من الحق) أي لا تعدل أو لا تنحرف عما جاءك من الحق متبعاً لأهوائهم أو لا تتبع أهواءهم عادلاً أو منحرفاً عن الحق.
وفيه النهي له صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يتبع أهوية أهل الكتاب ويعدل عن الحق الذي أنزله الله عليه، فإن كل ملة من الملل تهوى أن يكون الأمر على ما هم عليه وما أدركوا عليه سلفهم وإن كان باطلاً منسوخاً أو محرفاً عن الحكم الذي أنزله الله على الأنبياء كما وقع في الرجم وغيره مما حرفوه من كتب الله، والخطاب وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم لكن المراد به غيره لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يتبع أهواءهم.
(لكل جعلنا منكم) الخطاب للأمم الثلاثة أمة موسى وأمة عيسى وأمة محمد صلى الله عليهم أجمعين، أو للناس كافة لكن للموجودين خاصة بل للماضين أيضاً بطريق التغليب على وجه التلوين والالتفات.