والجواب عن الجواب الأول أن اليد صفة قائمة بذات الله وهي صفة سوى القدرة من شأنها التكوين على سبيل الإصطفاء، والذي يدل عليه أن الله تعالى أخبر عن آدم أنه خلقه بيديه على سبيل الكرامة، ولو كان معناه بقدرته أو نعمته أو ملكه لم يكن لخصوصية آدم بذلك وجه مفهوم، وامتنع كون آدم مصطفى بذلك لأن ذلك حاصل في جميع المخلوقات، فلا بد من إثبات صفة أخرى وراء ذلك يقع بها الخلق والتكوين على سبيل الإصطفاء وبه قال أبو الحسن الأشعري على ما نقله الرازي عنه وجماعة من أهل الحديث.
والجواب عن الجواب الثاني أن الاسم إذا ثني لا يؤدي في كلام العرب إلا عن اثنين بأعيانهما دون الجمع ولا يؤدي عن الجنس، فثبت أن اليد صفة لله تعالى تليق بجلاله وأنها ليست بجارحة كما قالت المجسمة واليهود، ولا بنعمة وقدرة كما قالت المعتزلة.
ولما قالت اليهود ذلك أجاب سبحانه عليهم بقوله:(غلت أيديهم) هذا دعاء عليهم بالبخل، فيكون الجواب عليهم مطابقاً لما أرادوه بقولهم يد الله مغلولة، ويجوز أن يراد غل أيديهم حقيقة بالأسر في الدنيا أو العذاب في الآخرة.
ويقوي المعنى الأول أن البخل قد لزم اليهود لزوم الظل للشمس فلا ترى يهودياً وإن كان ماله غاية الكثرة إلا وهو من أبخل خلق الله، وقيل المجاز أوفق بالمقام لمطابقة ما قبله.
عن ابن عباس قال: قال رجل من اليهود يقال له النباش بن قيس أن ربك بخيل لا ينفق فأنزل الله هذه الآية، وعنه أنها نزلت في فنحاص اليهودي، وعن عكرمة نحوه، والمعنى: أمسكت أيديهم عن كل خير، قال الزجاج: رد الله عليهم فقال أنا الجواد الكريم وهم البخلاء وأيديهم هي الممسكة.