(ولعنوا بما قالوا) الباء سببية أي: أبعدوا من رحمة الله بسبب قولهم هذا فمن لعنتهم أنهم مسخوا في الدنيا قردة وخنازير، وضربت عليهم الذلة والمسكنة والجزية، وفي الآخرة لهم عذاب النار.
ثم رد الله سبحانه عليهم بقوله:(بل يداه مبسوطتان) أي: بل هو في غاية ما يكون من الجود، وذكر اليدين مع كونهم لم يذكروا إلا اليد الواحدة مبالغة في الرد عليهم بإثبات ما يدل على غاية السخاء فإن نسبة الجود إلى اليدين أبلغ من نسبته إلى اليد الواحدة لإفادة الكثرة إذ غاية ما يبذله السخي من ماله أن يعطي بيديه.
وهذه الجملة الإضرابية معطوفة على جملة مقدرة يقتضيها المقام أي كلا ليس الأمر كذلك بل يداه مبسوطتان يعني: هو جواد كريم على سبيل الكمال، وحكى الأخفش عن ابن مسعود أنه قرأ بل يداه بسيطتان أي: منطلقتان.
ويد الله صفة من صفات ذاته كالسمع والبصر والوجه فيجب علينا الإيمان بها والتسليم وإثباتها له تعالى وإمرارها كما جاءت في الكتاب والسنة بلا كيف ولا تشبيه ولا تعطيل، قال تعالى:(لما خلقت بيدي) وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن يمين الرحمن: " وكلتا يديه يمين " فالجارحة منتفية في صفته عز وجل، والجهمية أنكروها وتأولوا بالنعمة والقدرة وهم المعطلة، وهذا الإنتفاء إنما هو عند المؤمنين، وأما اليهود فإنهم مجسمة فيصح حمل اليد عندهم على الجارحة بحسب اعتقادهم الفاسد.
(ينفق كيف يشاء) جملة مستأنفة مؤكدة لكمال جوده سبحانه أي: إنفاقه على ما تقتضيه مشيئته وحكمته، فإن شاء وسع وإن شاء قتر، لا اعتراض عليه، فهو القابض الباسط فإن قبض كان ذلك لما تقتضيه حكمته الباهرة لا شيء آخر، فإن خزائن ملكه لا تفنى ومواد جوده لا تتناهى، قال تعالى: (ولو