وعن كعب الأحبار هذه الآية أول آية في التوراة وآخر آية فيها قوله:(وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً) وفي لفظ هو آخر سورة هود، وقال ابن عباس: افتتح الله الخلق بالحمد وختمه به فقال وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين.
(وجعل الظلمات والنور) ذكر سبحانه خلق الجواهر بقوله خلق السموات والأرض ثم ذكر الأعراض بقوله هذا لأن الجواهر لا تستغني عن الأعراض، واختلف أهل العلم في المعنى المراد بالظلمات والنور فقال جمهور المفسرين: المراد بالظلمات سواد الليل، وبالنور ضوء النهار وبه قال السدي، وقال الحسن: الكفر والإيمان، قال ابن عطية: وهذا خروج عن الظاهر انتهى.
وقيل المراد بهما الجهل والعلم، وقيل الجنة والنار والأولى أن يقال إن الظلمات تشمل كل ما يطلق عليه اسم الظلمة، والنور يشمل كل ما يطلق عليه اسم النور، فيدخل تحت ذلك ظلمة الكفر ونور الإيمان (أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات).
وأفرد النور لأنه جنس يشمل جميع أنواعه، وجمع الظلمات لكثرة أسبابها وتعدد أنواعها نظيره ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الموضع المظلم يخالف كل واحد منهما صاحبه، والنور ضرب واحد لا يختلف كما تختلف الظلمات.
قال النحاس:(جعل) ههنا بمعنى خلق، وإذا كانت بمعنى خلق لم تتعد إلا إلى مفعول واحد، وقال القرطبي: جعل هنا بمعنى خلق، لا يجوز غيره، قال ابن عطية: وعليه يتفق اللفظ والمعنى في النسق فيكون الجمع معطوفاً على الجمع والمفرد معطوفاً على المفرد، وتقديم الظلمات على النور لأنها الأصل، ولهذا كان النهار مسلوخاً عن الليل.