العرب في التركيب أنهم يخلدون في النار في كل الأوقات إلا في الوقت الذي يشاء الله عدم بقائهم فيها، وعليه جرى السيوطي تبعاً لشيخه المحلي في سورة الصافات، وهو مخالف في ذلك لقوله تعالى:(يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها).
والعجب منه أنه اختار هذا التفسير مع أنه في كتابه الدر المنثور قال: إن السلف على أن الكفار لا يخرجون من النار أصلاً، قاله القاري، وقال الزجاج: إن الاستثناء يرجع إلى يوم القيامة أي خالدين في النار إلا ما شاء الله من مقدار حشرهم من قبورهم ومقدار مدتهم في الحساب إلى حين دخولهم إلى النار، وهو تعسف لأن الاستثناء هو من الخلود الدائم ولا يصدق على من لم يدخل النار. وقيل الاستثناء راجع إلى النار أي إلا ما شاء الله من تعذيبهم بغيرها في بعض الأوقات كالزمهرير، وبه فسر النسفي والشهاب وزاده الآية.
وقيل الاستثناء لأهل الإيمان و (ما) بمعنى من أي إلا من شاء الله إيمانه فإنه لا يدخل النار، وبه قال ابن عباس كما حكاه الجمهور، وبه قال الكرخي، وقيل المعنى إلا ما شاء الله من كونهم في الدنيا بغير عذاب.
وكل هذه التأويلات متكلفة والذي ألجأ إليها ما ورد في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من خلود الكفار في النار أبداً، ولكن لا تعارض بين عام وخاص لا سيما بعد وروده في القرآن مكرراً كما سيأتي في سورة هود (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد) ولعله يأتي هنالك إن شاء الله تعالى زيادة تحقيق.
قال ابن عباس: في هذه الآية إنه لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه أن لا ينزل لهم جنة ولا ناراً، وقد أوضح المقام الحافظ ابن القيم رحمه الله في كتابه حادي الأرواح فليرجع إليه.
(إن ربك حكيم) أي في تدبير خلقه وتصريفه إياهم في مشيئته من حال إلى حال وغير ذلك من أفعاله (عليم) بعواقب أمور خلقه وما هم إليه صائرون.