فإن قلت فعلام يحمل قوله عز وجل (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) وقوله سبحانه (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) وكذلك سائر ما ورد في هذا المعنى.
قلت هذه أولاً معارضة بمثلها وذلك قوله عزو وجل (وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) ومثل ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح القدسي: يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد شراً فلا يلومن إلا نفسه (١).
وثانياً بإمكان الجمع بحمل مثل قوله (إلا في كتاب) وقوله (لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) على عدم التسبيب من العبد بأسباب الخير من الدعاء وسائر أفعال الخير، وحمل ما ورد فيما يخالف ذلك على وقوع التسبيب بأسباب الخير الموجبة بحسن القضاء واندفاع شره، وعلى وقوع التسبيب بأسباب الشر المقتضية لإصابة المكروه ووقوعه على العبد.
وهكذا يكون الجمع بين الأحاديث الواردة بسبق القضاء، وأنه قد فرغ من تقدير الأجل والرزق والسعادة والشقاوة، وبين الأحاديث الواردة في صلة الرحم بأنها تزيد في العمر، وكذلك سائر أعمال الخير وكذلك الدعاء، فيحمل أحاديث الفراغ من القضاء على عدم تسبب العبد بأسباب الخير والشر، وتحمل الأحاديث الآخرة على أنه قد وقع من العبد التسبيب بأسباب الخير من الدعاء والعمل الصالح وصلة الرحم أو التسبب بأسباب الشر.
فإن قلت قد تقرر بالأدلة من الكتاب والسنة بأن عمله عز وجل أزلي وأنه قد سبق في كل شيء ولا يصح أن يقدر وقوع غير ما قد علمه، وإلا انقلب العلم جهلاً وذلك لا يجوز إجماعاً.