وهكذا ما شرعه الله لعباده من الشرائع على لسان أنبيائه وأنزل بها كتبه يقال مثل هذا فإنه إذا كان ما قد حصل في سابق علمه عز وجل كائناً سواء بعث الله إلى عباده رسله وأنزل إليهم كتبه أو لم يفعل ذلك كان عبثاً يتعالى الرب سبحانه ويتنزه عن أن ينسب إليه.
فإن قالوا: إن الله سبحانه قد سبق علمه بكل ذلك ولكنه قيده وشرطه بشروط وعلقه بأسباب فعلم مثلاً أن الكافر يسلم ويدخل في الدين بعد دعائه إلى الإسلام أو مقاتلته على ذلك، وأن العباد يعمل منهم من يعمل بما تعبدهم الله به بعد بعثة رسله إليهم وإنزال كتبه عليهم.
قلنا لهم: فعليكم أن تقولوا هكذا في الدعاء وفي أعمال الخير وفي صلة الرحم ولا نطلب منكم إلا هذا، ولا نريد منكم غيره وحينئذ قد دخلتم إلى الوفاق من طريق قريبة، فعلام هذا الجدال الطويل العريض واللجاج الكبير الكثير فأنا لا نقول إلا أن الله سبحانه قد علم في سابق علمه أن فلاناً يطول عمره إذا وصل رحمه. وأن فلاناً يحصل له من الخير كذا ويندفع عنه من الشر كذا إذا دعا ربه وأن هذه المسببات مترتبة على حصول أسبابها، وهذه المشروطات مقيدة بحصول شروطها.
وحينئذ فارجعوا إلى ما قدمنا ذكره من الجمع بين ما تقدم من الأدلة واستريحوا من التعب، فإنه لم يبق بيننا وبينكم خلاف من هذه الحيثية، وقد كان الصحابة مثل عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وأبي وائل وعبد الله بن عمر يدعون الله عز وجل بأن يثبتهم في أهل السعادة إن كانوا قد كتبوا من أهل الشقاوة كما قدمنا، وهم أعلم بالله سبحانه وبما يجب له ويجوز عليه.
وقال كعب الأحبار حين طعن عمر وحضرته الوفاة: والله لو دعا الله