للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حجارة أو حديداً) قال الخليل وسيبويه أراد مصراً من الأمصار ولم يرد المدينة المعروفة وهو خلاف الظاهر، بل يجوز صرفه مع حصول العلمية والتأنيث لأنه ثلاثي ساكن الأوسط وبه قال الأخفش والكسائي، والمصر في الأصل الحد الفاصل بين الشيئين وقيل المصر البلدة العظيمة.

(فإن لكم ما سألتم) يعني من نبات الأرض (وضربت عليهم) أي على فروعهم وأخلافهم (الذلة) أي الهوان وقيل الجزية وزي اليهودية وفيه بعد والأول أولى والمعنى جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم وألزموا الذل والهوان بسبب قتلهم عيسى في زعمهم، والذلة بالكسر الصغار والحقارة والذلة بالضم ضد العجز.

(والمسكنة) أي الفقر والفاقة وسمى الفقير مسكيناً لأن الفقر أسكنه وأقعده عن الحركة، ومعنى ضرب الذلة والمسكنة إلزامهم بذلك والقضاء به عليهم قضاء مستمراً لا يفارقهم ولا ينفصل عنهم مع دلالته على أن ذلك مشتمل عليهم اشتمال القباب على من فيها، أو لازم لهم لزوم الدرهم المضرب لسكته.

وهذا الخبر الذي أخبر الله تعالى به وهو معلوم في جميع الأزمنة فإن اليهود أقمأهم الله أذل الفرق وأشدهم مسكنة وأكثرهم تصاغراً، لم ينتظم لهم جمع ولا خفقت على رؤسهم راية، ولا ثبتت لهم ولاية بل ما زالوا عبيد العصى في كل زمن، وطروقة كل فحل في كل عصر، ومن تمسك منهم بنصيب من المال وإن بلغ في الكثرة أي مبلغ فهو متظاهر بالفقر مرتد بأثواب المسكنة ليدفع عن نفسه أطماع الطامعين في ماله، إما بحق كتوفير ما عليه من الجزية أو بباطل كما يفعله كثير من الظلمة من التجارىء على الله بظلم من لا يستطيع الدفع عن نفسه، فلا ترى أحداً من أهل الملل أذل ولا أحرص على المال من اليهود كأنهم فقراء وإن كانوا أغنياء مياسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>