(والصابئين) جمع صابيء وقيل صاب، والصابيء في اللغة من خرج ومال من دين إلى دين، ولهذا كانت العرب تقول لمن أسلم قد صبأ، سموا هذه الفرقة صابئة لأنها خرجت من دين اليهود والنصارى وعبدوا الملائكة وقيل عبدوا الكواكب، وقال البيضاوي إنهم قوم بين اليهود والمجوس انتهى، ثم جعل هذا اللقب علماً لطائفة من الكفار، وقيل هم يدعون أنهم على دين صابيء بن شيث بن آدم والأول أولى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه في الرد على المنطقيين إن حران كانت دار هؤلاء الصابئة وفيها ولد إبراهيم عليه السلام أو انتقل إليها من العراق على اختلاف القولين، وكان بها هيكل العلة هيكل العقل الأول هيكل النفس الكلية هيكل زحل هيكل المشتري هيكل المريخ هيكل الشمس، وكذلك الزهرة وعطارد والقمر، وكان هذا دينهم قبل ظهور النصرانية فيهم، ثم ظهرت النصرانية فيهم مع بقاء أولئك الصابئة المشركين حتى جاء الإسلام ولم يزل بها الصابئة والفلاسفة في دولة الإسلام إلى آخر وقت، ومنهم الصابئة الذين كانوا ببغداد وغيرها أطباء وكتاباً وبعضهم لم يسلم.
ولما قدم الفارابي حران في أثناء المائة الرابعة دخل عليهم وتعلم منهم وأخذ عنهم ما أخذ من المتفلسفة، وكان ثابت بن قرة الحراني صاحب الزيج قد شرح كلام أرسطو في الإلهيات، وقد رأيته وبينت بعض ما فيه من الفساد، فإن فيه ضلالاً كثيراً، وكذلك كان دين أهل دمشق وغيرها قبل ظهور دين النصرانية وكانوا يصلون إلى القطب الشمالي، ولهذا يوجد في دمشق مساجد قديمة فيها قبلة إلى القطب الشمالي، وتحت جامع دمشق معبد كبير له قبلة إلى القطب الشمالي كان لهؤلاء، فإن الصابئة نوعان صابئة حنفاء موحدون، وصابئة مشركون، فالأول هم الذين أثنى الله عليهم بهذه الآية فأثنى على من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً من هذه الملل الأربع: المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين، فهؤلاء كانوا يدينون بالتوراة قبل النسخ والتبديل، وكذلك الذين دانوا بالإنجيل قبل النسخ والتبديل، والصابئون الذين كانوا قبل