وذهب الحنابلة ومن وافقهم من أهل الحديث أن كلامه تعالى حروف وأصوات مقطعة وأنه قديم وهو الحق وقد نطق به السنة المطهرة، وقال جمهور المتكلمين: إن كلامه صفة مغايرة لهذه الحروف والأصوات وأرادوا به الكلام النفسي. ولا توجد له رائحة في السنة المطهرة، وكذا ما ذكره الشيخ في التأويلات: أن موسى سمع صوتاً دالاً على كلام الله وهو ظاهر البطلان لمخالفة نص القرآن.
وقد سكت جمع من السلف والخلف عن الخوض في تأويل صفة كلام الله تعالى. وقالوا إنه متكلم بكلام قديم يليق بذاته بحرف وصوت لا يشبه كلام المخلوق ليس كمثله شيء وله المثل الأعلى.
ولما سمع موسى كلام ربه عز وجل اشتاق إلى رؤيته وسأله بقوله (قال ربي أرني) أي أرني نفسك قاله الزجاج وقال ابن عباس: أعطني وأرني فعل أمر مبني على حذف الياء، والمعنى مكني من رؤيتك وهيئني لها فإن فعلت بي ذلك (أنظر إليك) فتغاير الشرط والجزاء، وبالجملة فقد سأله النظر إليه اشتياقاً إلى رؤيته لما أسمعه كلامه. وسؤال موسى للرؤية يدل على أنها جائزة عنده في الجملة، ولو كانت مستحيلة عنده لما سألها.
(قال لن تراني) جملة مستأنفة لكونها جواباً لسؤال مقدر كأنه قيل فما قال الله؟ والمعنى: لن تراني بعين فانية بالسؤال بل بعين باقية بالعطاء والنوال أو أنه لا يراه هذا الوقت الذي طلب رؤيته فيه أو أنه لا يرى ما دام الرائي حياً في دار الدنيا، وأما رؤيته في الآخرة فقد ثبت بالأحاديث المتواترة تواتراً لا يخفى على من يعرف السنة المطهرة، والجدال في مثل هذا والمراوغة لا تأتي بفائدة.
ومنهج الحق واضح، ولكن الاعتقاد لمذهب نشأ الإنسان عليه وأدرك عليه أباه وأهل بلده مع عدم التنبه لما هو المطلوب من العباد من هذه الشريعة