المطهرة يوقع في التعصب، والمتعصب وإن كان بصره صحيحاً فبصيرته عمياء وأذنه عن سماع الحق صماء، يدفع الحق وهو يظن أنه ما دفع غير الباطل، ويحسب أن ما نشأ عليه هو الحق غفلة منه وجهلاً بما أوجبه الله عليه من النظر الصحيح، وتلقّي ما جاء به الكتاب والسنة بالإذعان والتسليم.
وما أقل المنصفين بعد ظهور هذه المذاهب في الأصول والفروع، فإنه صار بها باب الحق مرتجاً وطريق الإنصاف مستوعرة، والأمر لله سبحانه والهداية منه.
يأبى الفتى إلا اتباع الهوى ... ومنهج الحق له واضح
ولم يقل لن أُرى ليكون نفياً للجواز ولو لم يكن مرئياً لأخبر بأنه ليس بمرئي، إذ الحالة حالة الحاجة إلى البيان، وقد تمسك أهل البدع والخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة بظاهر هذه الآية وقالوا لن للتأبيد والدوام، وهذا غلط إذ ليس يشهد لما قالوه نص عن أهل اللغة العربية ولم يقل به أحد منهم.
والكتاب والسنة على خلاف ذلك فقد قال تعالى في حق اليهود (ولن يتمنوه أبداً) مع أنهم يتمنون الموت يوم القيامة كما قال تعالى (ونادوا يا مالك لِيقْض علينا ربك) وقوله (يا ليتها كانت القاضية) والسنة أكثر من أن تحمى وعبّر بلن تراني دون لن تنظر إليَّ مع أنه المطابق لقوله (أنظر إليك) لأن الرؤية هي المقصودة والنظر مقدمتها وقد يحصل دونها.
وأما المطابقة في الاستدراك بقوله (ولكن انظر إلى الجبل) فواضحة لأن المقصود منه تعظيم أمر الرؤية. ومعناه أنك لا تثبت لرؤيتي ولا يثبت لها ما هو أعظم منك جرماً وصلابة وقوة وهو الجبل فانظر إليه (فإن استقر مكانه) وبقي على حاله ولم يتزلزل عند رؤيتي له (فسوف تراني) أي تثبت لرؤيتي، وإن ضعف عن ذلك فأنت منه أضعف، ولا طاقة لك، فهذا الكلام بمنزلة