ضرب المثل لموسى عليه السلام بالجبل، وقيل هو من باب التعليق بالمحال، وعلى تسليم هذا فهو في الرؤية في الدنيا لما قدمنا.
وقد تمسك بهذه الآية كلا طائفتي المعتزلة والأشعرية، فالمعتزلة استدلوا بقوله لن تراني كما تقدم وبأمره بأن ينظر إلى الجبل. والأشعرية قالوا: إن تعليق الرؤية باستقرار الجبل يدل على أنها جائزة غير ممتنعة، ولا يخفاك أن الرؤية الأخروية هي بمعزل عن هذا كله والخلاف بينهم هو فيها لا في الرؤية في الدنيا فقد كان الخلاف فيها في زمن الصحابة وكلامهم فيها معروف.
(فلما تجلّى ربّه) تجلى معناه ظهر من قولك جلوت العروس أي أبرزتها وجلوت السيف: خلّصته من الصّدأ. وتجلى الشيء: انكشف، والمعنى فلما ظهر ربه، وقيل المتجلي هو أمره وقدرته، قاله قطرب وغيره (للجبل جعله دكاً) الدك مصدر بمعنى المفعول أي جعله مدكوكاً مدقوقاً فصار تراباً، هذه قراءة أهل المدينة وأهل البصرة والدك والدق أخوان وهو تفتيت الشيء وسحقه، وقيل تسويته بالأرض.
وقرأ أهل الكوفة دكاء على التأنيث والجمع دكّاوات كحمراء وحمراوات وهي اسم للرابية الناشزة من الأرض أو للأرض المستوية. فالمعنى أن الجبل صار صغيراً كالرابية أو أرضاً مستوية.
قال الكسائي: الدوك الجبال العراض واحدها أدك والدكاوات جمع دكاء وهي روابٍ من طين ليست بالغلاظ، والدكادك ما التبد من الأرض فلم يرتفع وناقة دكّاء لا سنام لها، قال سهل بن سعد الساعدي: دكاً يعني مستوياً بالأرض وقيل تراباً، وقيل ساخ حتى وقع في البحر.
وقال عطية العوفي: صار رملاً هائلاً، وقال الكلبي: يعني كسر جبالاً صغاراً، قيل واسم الجبل زبير، قال الضحاك: أظهر الله من نوره مثل منخر