وسعاته فيأتون بالجزية والصدقة عند محلها، واستمرت على ذلك سيرة خلفائه من بعده.
قال الحافظ ابن القيم رحمه الله: وهذا مقتضى قواعد الشريعة وأصولها، فإن الأموال التي تتكرر بتكرر الأعوام إنما تجب في آخر العام لا في أوله.
وأما قوله:(حتى يعطوا الجزية) فليس المراد به العطاء الأول بل العطاء المستمر المتكرر. وهذه كانت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم.
وقال أصحاب الشافعي: تجب بأول السنة دفعة واحدة، ولكن يستقر جزء بعد جزء، وقال بعضهم: إنما يدخل وقت وجوبها عند انقضاء السنة، وتسقط الجزية بالإسلام ولو اجتمعت عليه جزية سنين، فقد قال صلى الله عليه وسلم:" ليس على مسلم جزية "(١).
(وهم صاغرون) أي يعطي الذمي الجزية حال كونه صاغراً والصغار الذل واختلف العلماء في المراد من الصغار فقال عكرمة أن يدفعها وهو قائم، والآخذ جالس، وقيل أن يأتي بها بنفسه ماشياً لا راكباً، ويطال وقوفه عند إتيانه بها ويجر إلى الموضع الذي فيه الآخذ ثم تجر يده ويمتهن.
وفي الكشاف أنه يتلتل تلتلة ويؤخذ بتلابيبه ويقال له أد الجزية وإن كان يؤديها ويزج في قفاه انتهى. وقال ابن عباس: يمشون بها متلتلين، وعنه قال: يلكزون، وقال الكلبى: إذا أعطى يصفع قفاه، وقيل هو أن يؤخذ بلحيته ويضرب في لهزمتيه، ويقال له: أد حق الله يا عدو الله وقال سلمان: معنى صاغرين غير محمودين وقيل غير ذلك مما لم يدل عليه دليل.
قال الحافظ ابن القيم رحمه الله: وهذا كله مما لا دليل عليه ولا هو مقتضى الآية، ولا نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، قال: والصواب في الآية أن الصغار هو التزامهم بجريان أحكام الله تعالى عليهم وإعطاء الجزية، فإن ذلك هو الصغار، وبه قال الشافعي.
قلت: ومن الصغار ما أخذه عمر رضي الله عنه في العهد العمري وهو