للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المنزلة ثم أخبر ثالثاً بانه بعد هذا الوعد الصادق لا بد من حصول الموعود به فإنه لا أحد أوفى بعهده من الله سبحانه وهو صادق الوعد لا يخلف الميعاد، فإن إخلاف الوعد مما لا يكاد يصدر عن كرام الخلق مع إمكان صدوره منهم، فكيف بجناب الخلاق الغني عن العالمين جل جلاله، فالجملة اعتراض مقرر لمضمون ما قبله من حقية الوعد على نهج المبالغة في كونه أوفى بالعهد من كل واف.

ثم زادهم سروراً وحبوراً فقال: (فاستبشروا ببيعكم) البشارة هي إظهار السرور وظهوره يكون في بشرة الوجه، ولذا يقال أسارير الوجه أي التي يظهر فيها السرور، والسين ليست للطلب كاستوقد وأوقد بل للمطاوعة وقد تقدم إيضاح هذا والفاء لترتيب الاستبشار أو الأمر به على ما قبله، والمعنى أظهروا السرور وافرحوا غاية الفرح بهذا البيع.

(الذي بايعتم به) الله عز وجل فقد ربحتم فيه ربحاً لم يربحه أحد من الناس إلا من فعل مثل فعلكم، وفيه التفات عن الغيبة تشريفاً لهم على تشريف وزيادة لسرورهم على سرور، وفيه زيادة تقرير بيعهم وإشعار بكونه مغايراً لسائر البياعات، فإنه بيع للفاني بالباقي وكلا البدلين له سبحانه وتعالى.

والإشارة بقوله: (وذلك) إلى الجنة أو إلى نفمس المبيع الذي ربحوا فيه الجنة (هو الفوز العظيم) وصف الفوز وهو الظفر بالمطلوب بالعظيم يدل على أنه فوز لا فوز مثله، قال عمر بن الخطاب: إن الله بايعك وجعل الصفقتين لك، وقال الحسن: اسمعوا إلى بيعة ربيحة بايع الله بها كل مؤمن، وعنه أن الله أعطاك الدنيا فاشتر الجنة ببعضها، وقال قتادة: ثامنهم فأغلى لهم، وقال الصادق: ليس لأبدانكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>