(ولا أصغر من ذلك) أي من مثقال ذرة كلام برأسه مقرر لما قبله، ولا نافية للجنس (ولا أكبر) منها (إلا) وهو (في كتاب مبين) فكيف يغيب عنه وهو الكتاب الذي عند الله، يعني اللوح المحفوظ، قاله السدي. وقد أورد على توجيه النصب والرفع في أصغر وأكبر على العطف على لفظ مثقال ومحله أو على لفظ ذرة إشكال، وهو أنه يصير تقدير الآية لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء إلا في كتاب، ويلزم منه أن يكون ذلك الشيء الذي في الكتاب خارجاً عن علم الله وهو محال.
وقد أجيب عن هذا الإشكال بأن الأشياء المخلوقة قسمان: قسم أوجده الله ابتداء من غير واسطة كخلق الملائكة والسماوات والأرض، وقسم آخر أوجده بواسطة القسم الأول من حوادث عالم الكون والفساد، ولا شك أن هذا القسم الثاني متباعد في السلسلة العلية عن مرتبة الأول.
فالمراد من الآية أنه لا يبعد عن مرتبة وجوده سبحانه شيء في الأرض ولا في السماء إلا وهو في كتاب مبين أثبت فيه صورة تلك المعلومات، والغرض الرد على من يزعم أنه غير عالم بالجزئيات.
وأجيب أيضاً بأن الاستثناء منقطع أي لكن هو في كتاب مبين، وذكر أبو علي الجرجاني أن إلا بمعنى الواو أي وهو أيضا في كتاب مبين، والعرب قد تضع إلا موضع الواو، ومنه قوله تعالى:(إنى لا يخاف لدى المرسلون إلا من ظلم) يعني ومن ظلم، وقوله:(لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا) أي والذين ظلموا، وقدر هو بعد الواو التي جاءت إلا بمعناها كما في قوله (وقولوا حطة) أي هي حطة.
قال الكرخي: وهذا الوجه فيه تعسف، ومثله قوله:(ولا تقولوَا ثلاثة)(وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين).
وجوّز الكواشي كونه متصلاً مستثنى من " يعزب " على أن معناه يبين