والمراد بعض ما جرى له مع قومه الذين كفروا بما جاء به كما فعله كفار قريش وأمثالهم.
(إذ) أي وقت أن (قال لقومه) اللام لام التبليغ (يا قوم إن كان كبر) أي عظم وثقل (عليكم مقامي) من باب الإسناد المجازي كقولهم ثقل عليّ ظله، والمقام بفتح الميم الموضع الذي يقام فيه، وبالضم مكان الإقامة أو الإقامة نفسها، وقد اتفق القراء هنا على الفتح.
وقرأ أبو رجاء وأبو مجلز وابن الجوزي بالضم، قال ابن عطية: ولم يقرأ هنا بالضم، وكأنه لم يطلع على قراءة هؤلاء، وكنى بالمقام عن نفسه كما يقال فعلته لمكان فلان أي لأجله، ومنه (ولمن خاف مقام ربه) أي خاف ربه، ويجوز أن يراد بالمقام المكث أي شق عليكم مكثي بين أظهركم لأنه مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، ويجوز أن يراد بالمقام القيام لأن الواعظ يقوم حال وعظه.
والمعنى أن كان كبر عليكم قيامي بالوعظ في مواطن اجتماعكم (و) كبر عليكم (تذكيري) لكم (بآيات الله) التكوينية والتنزيلية (فعلى الله توكلت) أي دمت على تخصيص التوكل به تعالى، وهذه الجملة جواب الشرط، والمعنى أني لا أقابل ذلك منكم إلا بالتوكل على الله، فإن ذلك دأبي الذي أنا عليه قديماً وحديثاً، ويجوز أن يريد إحداث مرتبة مخصوصة من مراتب التوكل، ويجوز أن يكرن جواب الشرط فأجمعوا كما يأتي، قاله الأكثرون، والجملة اعتراض كقولك إن كنت أنكرت عليّ شيئاً فالله حسبي وثقتي.
وقيل (فأجمعوا أمركم) عطف على الجواب، وجزم السفاقسي بأن جوابه محذوف أي فافعلوا ما شئتم، والمعنى اعزموا عليه، من أجمع الأمر إذا نواه وعزم عليه قاله الفراء، وروي عنه أجمع الشيء أعده وقال مؤرج السدوسي: أجمع الأمر أفصح من أجمع عليه، وقال أبو الهيثم: أجمع أمره جعله جميعاً بعدما كان متفرقاً، وتفرقه أن يقول مرة أفعل كذا ومرة أفعل كذا فلما عزم على أمر واحد فقد جمعه أي جعله جميعاً.