فهذا هو الأصل في الإجماع ثم صار بمعنى العزم والتصميم، يقال أجمع في المعاني وجمع في الأعيان وقد يستعمل كل واحد مكان الآخر، وفي التنزيل (فجمع كيده) قال ابن الأنباري: المراد من الأمر هنا وجوه كيدهم ومكرهم فالتقدير لا تدعو من أمركم شيئاً إلا أحضرتموه.
(وشركاءكم) أي ادعوهم لنصرتكم، قاله الكسائي والفراء، وقال الزجاج والفارسي: والمعنى مع شركائكم، ولم يذكر الزمخشري غير هذا، وقيل أجمعوا شركاءكم، وفي مصحف أُبَي: وادعوا شركاءكم، قال النحاس وغيره: وقراءة الرفع بعيدة، وقال المهدوي: يجوز رفع الشركاء بالابتداء والخبر محذوف أي وشركاؤكم ليجمعوا أمرهم، ونسبة ذلك إلى الشركاء مع كون الأصنام لا تعقل لقصد التوبيخ والتقريع لمن عبدها.
(ثم لا يكن أمركم عليكم غمة) أي خفياً، والغمة التغطية من قولهم غم الهلال إذا استتر أي ليكن أمركم ظاهراً منكشفاً قاله الزجاج، وقال الهيثم: معناه لا يكن أمركم مبهماً، وقيل أن الغمة ضيق الأمر، كذا روي عن أبي عبيدة.
والمعنى لا يكن أمركم عليكم بمصاحبتي والمجاملة لي ضيقاً شديداً بل ادفعوا هذا الضيق والشدة بما شئتم وقدرتم عليه، وعلى الوجهين الأولين يكون المراد بالأمر الثاني هو الأمر الأول، وعلى الثالث يكون المراد غيره، وإنما نسب عدم الستر الذي هو عدم الغمة إلى الأمر مبالغة.
(ثم اقضوا إليّ) ذلك الأمر الذي تريدونه بي؛ وأصل اقضوا من القضاء وهو الأحكام، والمعنى احكموا ذلك الأمر.
قال الأخفش والكسائي: هو مثل " وقضينا إليه ذلك الأمر " أي أنهيناه إليه وأبلغناه إياه. وقيل معناه ثم امضوا إليّ، قال النحاس: هذا قول صحيح في اللغة ومنه قضى الميت مضى. وعن بعض القراء ثم افضوا بالفاء أي توجهوا (ولا تنظرون) أي ثم لا تمهلوني ولا تؤخروني، بل عجلوا أمركم ونفذوا واصنعوا ما بدا لكم.