هذا كله مما ابتلي به إبراهيم انتهى، وظاهر النظم القرآني أن الكلمات هي قوله (إني جاعلك) وما بعده ويكون ذلك بياناً للكلمات، وجاء عن بعض السلف ما يوافق ذلك وعن آخرين ما يخالفه، والحق أنه إذا لم يصح شيء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا جاءنا من طريق تقوم بها الحجة في تعيين تلك الكلمات لم يبق لنا إلا أن نقول أنها ما ذكره الله سبحانه في كتابه قال (إني جاعلك للناس إماماً) ويكون ذلك بياناً للكلمات، أو السكوت وإحالة العلم في ذلك على الله سبحانه.
وأما ما روي عن ابن عباس ونحوه من الصحابة ومن بعدهم في تعيينها فهو أولاً أقوال الصحابة ولا تقوم بها الحجة فضلاً عن أقوال من بعدهم، وعلى تقدير أنه لا مجال للاجتهاد في ذلك وإن له حكم الرفع فقد اختلفوا في التعيين اختلافاً يمنع معه العمل ببعض ما روي عنهم دون البعض الآخر، بل اختلفت الروايات عن الواحد منهم كما روي عن ابن عباس فكيف يجوز العمل بذلك، وبهذا تعرف ضعف قول من قال: أنه يصار إلى العموم، ويقال تلك الكلمات هي جميع ما ذكر ههنا، فإن هذا يستلزم تفسير كلام الله بالضعيف والمتناقض وما لا تقوم به الحجة، وعلى هذا فيكون قوله (إني جاعلك) مستأنفاً كأنه قيل ماذا قال له.
وقال ابن جرير: ما حاصله أنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ذلك وجائز أن يكون بعض ذلك، ولا يجوز الجزم بشيء منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له، ثم قال: إن الذي قاله مجاهد وأبو صالح والربيع بن أنس أولى بالصواب، يعني أن الكلمات هي قوله (إني جاعلك للناس إماماً) وقوله (وعهدنا إلى إبراهيم) وما بعده، ورجح ابن كثير (١) أنها تشمل جميع ما ذكر وفيه بعد.