(فأتمهن) أي قام بهن أتم قيام، وامتثل أكمل امتثال، واختلف هل كان هذا الابتلاء قبل النبوة أو بعدها فقيل بالأول بدليل السياق فإنه يدل على أن قيامه عليه السلام بهن كالسبب لأن يجعله الله إماماً، والسبب يتقدم على المسبب، وقيل بالثاني لأن التكليف لا يعلم إلا من جهة الوحي الإلهي، وذلك بعد النبوة، وقيل إن فسر الابتلاء بالكوكب والقمر والشمس كان ذلك قبل النبوة، وإن فسر بما وجب عليه من شرائع الدين كان ذلك بعد النبوة.
(قال إني جاعلك للناس) أي لأجلهم (إماماً) يقتدي بدينك وهديك وسنتك، والإمام هو الذي يؤتم به، ومنه قيل للطريق إمام وللبناء إمام لأنه يؤتم بذلك أي يهتدي به السالك، والإمام لما كان هو القدوة للناس لكونهم يأتمون به ويهتدون بهديه أطلق عليه هذا اللفظ إذ لم يبعث بعده نبي إلا كان من ذريته مأموراً باتباعه في الجملة، وإبراهيم يعترف بفضله جميع الطوائف قديماً وحديثاً، فأما اليهود والنصارى فإنهم مقرون بفضله ويتشرفون بالنسبة إليه، وأنهم من أولاده، وأما العرب في الجاهلية فإنهم أيضاً يعترفون بفضله ويتشرفون على غيرهم به لأنهم من أولاده، ومن ساكني حرمه، وخدام بيته، ولما جاء الإسلام زاده الله شرفاً وفضلاً، فحكى الله عن إبراهيم أموراً توجب على المشركين والنصارى واليهود قبول قول محمد صلى الله عليه وآله وسلم والاعتراف بدينه والانقياد لشرعه، لأن ما أوجبه الله على إبراهيم هو من خصائص دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وفي ذلك حجة على اليهود والنصارى ومشركي العرب في وجوب الانقياد لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم والإيمان به وتصديقه.
(قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) يحتمل أن يكون ذلك دعاء من إبراهيم أي واجعل من بعض ذريتي أئمة، ويحتمل أن يكون هذا من إبراهيم لقصد الإستفهام وإن لم يكن بصيغته أي ومن ذريتي ماذا يكون يا رب، فأخبره أن فيهم عصاة وظلمة، وأنهم لا يصلحون لذلك ولا يقومون به، ولا ينالهم عهد الله سبحانه، وتخصيص البعض بذلك لبداهة استحاله