وسلم ذات يوم فقال يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل، ثم قالوا له كيف نجتنبه وهو أخفى من دبيب النمل؟ قال قولوا:" اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه " وقد روي من حديث غيره (١).
إذا عرفت ما تضمنته كتب التفسير من الوجوه التي ذكرناها وعرفت تقريرها على الوجه الذي قررناه فاعلم أن هذه الأقوال إنما هي اختلاف في سبب النزول وأما النظم القرآني فهو صالح لحمله على كل ما يصدق عليه مسمى الإيمان مع وجود مسمى الشرك، والاعتبار بما يفيده اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر في مواطنه.
فيقال مثلاً في أهل الشرك أنه ما يؤمن أكثرهم بأن الله هو الخالق الرازق إلا وهو مشرك بالله بما يعبده من الأصنام، ويقال فيمن كان واقعاً في شرك من الشرك الخفي وهو من المسلمين أنه ما يؤمن بالله إلا وهو مشرك بذلك الشرك الخفي، ويقال مثلاً في سائر الوجوه بنحو هذا على التقرير الذي قررناه سابقاً، وهذا يصلح أن يكون وجهاً مستقلاً وهو أوجهها وأرجحها فيما أحسب وإن لم يذكره أحد من المفسرين.
فما قيل من أنه يشكل وجود اتصافهم بالإيمان في حال تلبسهم بالشرك استشكال واقع موقعه، وسؤال حال محله، وجوابه قد ظهر مما سبق فإنه يقال مثلاً إن أهل الجاهلية كان إيمانهم المجامع للشرك هو مجرد الإقرار بأن الله هو الخالق الرازق وهو لا ينافي ما هم عليه من الشرك.
وكذلك يقال إن أهل الإسلام كان شرك من وقع منهم في شيء من الشرك الخفي الأصغر غير مناف لوجود الإيمان منهم لأن الشرك الأصغر لا يخرج به فاعله عن مسمى الإيمان ولهذا كانت كفارته أن يتعوذ بالله من أن يشرك وأن يقول في الطيرة اللهم لا طير إلا طيرك ولا إله غيرك.