للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(واختلاف الليل والنهار) تعاقبهما بإقبال أحدهما وإدبار الآخر، وإضاءة أحدهما وإظلام الآخر، وقيل في الطول والقصر والزيادة والنقصان قال ابن الخطيب: وعندي فيه وجه ثالث هو أنهما كما يختلفان في الأزمنة فهما يختلفان في الأمكنة فإن من يقول إن الأرض كرة فكل ساعة عينتها فتلك الساعة في موضع من الأرض صبح، وفي موضع آخر ظهر، وفي آخر عصر، وفي آخر مغرب. وفي آخر عشاء. وهلم جرّاً. هذا إذا اعتبرنا البلاد المختلفة في الطول. أما البلاد المختلفة في العرض فكل بلد يكون عرضه للشمال أكثر كانت أيامه الصيفية أطول وأيامه الشتوية بالضد من ذلك، فهذه الأحوال المختلفة في الأيام والليالي بحسب اختلاف أطوال البلاد وعروضها أمر عجيب قاله الكرخي.

وإنما قدم الليل على النهار لأن الظلمة أقدم. قال تعالى: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) وهذا أصح القولين، وقيل النور سابق الظلمة، ويبنى على هذا الخلاف فائدة وهي أن الليلة هل هي تابعة لليوم قبلها أو لليوم بعدها، فعلى القول الصحيح تكون الليلة لليوم بعدها فيكون اليوم تابعاً لها، وعلى القول الثاني تكون لليوم قبلها فتكون الليلة تابعة له، فيوم عرفة على القول الأول مستثنى من الأصل فإنه تابع لليلة بعده، وعلى الثاني جاء على الأصل.

والآية فيهما أن انتظام أحوال العباد بسبب طلب الكسب والمعيشة يكون في النهار وطلب النوم والراحة يكون بالليل، فاختلافهما إنما هو لتحصيل مصالح العباد، والنهار ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وقال النضر ابن شميل: أول النهار طلوع الشمس ولا يعد ما قبل ذلك من النهار، وكذا قال ثعلب والزجاج، وقسم ابن الأنباري الزمان إلى ثلاثة أقسام: قسماً جعله ليلاً محضاً وهو من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وقسماً جعله نهاراً محضاً وهو من طلوع الشمس إلى غروبها، وقسماً جعله مشتركاً بين النهار والليل وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>