للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله فأحيا لأنهما أمران متسببان عن إنزال المطر، وقال في الكشاف: أن الظاهر عطفه على أنزل، وقال أبو حيان: لا يصح عطفه على أنزل ولا على أحيا، والصواب أنه على حذف الموصوف أي وما بث، وفيه زيادة فائدة وهو جعله آية مستقلة وحذف الموصول شائع في كلام العرب انتهى.

(وتصريف الرياح) أي إرسالها عقيماً وملقحة وصراً ونصراً وهلاكاً وحارة وباردة ولينة وعاصفة، وقيل تصريفها في مهابها جنوباً وشمالاً ودبوراً وقبولاً وصباً ونكباء، وهي التي تأتي بين مهبي ريحين، وقيل تصريفها أن تأتي السفن الكبار بقدر ما تحملها والصغار كذلك، ولا مانع من حمل التصريف على جميع ما ذكر، وعن أبيّ بن كعب: كل شيء في القرآن من الرياح فهي رحمة وكل شيء من الريح فهي عذاب، وقد ورد في النهي عن سب الريح وأوصافها أحاديث كثيرة لا تعلق لها بالآية، والآية في الريح أنه جسم لطيف لا يمسك ولا يرى وهو مع ذلك في غاية القوة بحيث يقلع الشجر والصخر، ويخرب البنيان العظيم، وهو مع ذلك حياة الوجود فلو أمسك طرفة عين لمات كل ذي روح وأنتن ما على وجه الأرض.

(والسحاب المسخر بين السماء والأرض) أي الغيم المذلل، سمي سحاباً لانسحابه في الهواء وسحبت ذيلي سحباً وتسحب فلان على فلان اجترأ، والمسخر المذلل، وسخره بعثه من مكان إلى آخر، وقيل تسخيره ثبوته بين السماء والأرض من غير عمد ولا علائق، والأول أظهر، والآية في ذلك أن السحاب مع ما فيه من المياه العظيمة التي تسيل منها الأودية العظيمة يبقى معلقاً بين السماء والأرض بلا علاقة تمسكه ولا دعامة تسنده، وفيه آيات أخر ففي هذه الأنواع الثمانية دلالة عظيمة على وجود الصانع القادر المختار وأنه الواحد في ملكه فلا شريك له ولا نظير، وهو المراد بقوله وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو (لآيات لقوم يعقلون) أي دلالات على وحدانيته سبحانه لمن ينظر ببصره ويتفكر بعقله، وإنما جمع آيات لأن في كل واحد مما ذكر من هذه الأنواع آيات كثيرة تدل على أن لها خالقاً مدبراً مختاراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>