قال الفراء: الروح الذي يعيش به الإنسان لم يخبر الله به سبحانه أحداً من خلقه ولم يعط علمه أحداً من عباده.
وقيل الروح المسؤول عنه جبريل، وقيل عيسى وقيل القرآن وقيل ملك من الملائكة عظيم الخلق وقيل خلق كخلق بني آدم، وقال بعضهم هو الدم، ألا ترى الإنسان إذا مات لا يفوت منه شيء إلا الدم، وقال قوم: هو نفس الحيوان بدليل أنه يموت باحتباس النفس، وقال قوم: هو عرض، وقال قوم: هو جسم لطيف يحيا به الإنسان، وقيل الروح معنى اجتمع فيه النور والطيب والعلم والعلوّ والبقاء، والظاهر هو القول الأول.
وسيأتي ذكر سبب نزول هذه الآية وبيان السائلين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح، ثم الظاهر أن السؤال عن حقيقة الروح لأن معرفة حقيقة الشيء أهم وأقدم من معرفة حال من أحواله.
ثم أمره سبحانه أن يجيب عن السائلين له عن الروح فقال (قل الروح) أظهر في مقام الإضمار إظهاراً لكمال الاعتناء بشأنه (من أمر ربي) من بيانية والأمر بمعنى الشأن والإضافة للاختصاص العلمي لا الإيجادي لاشتراك الكل فيه وفيها من تشريف المضاف ما لا يخفى كما في الإضافة الثانية من تشريف المضاف إليه أي هو من جنس ما استأثر الله بعلمه من الأشياء التي لم يعلم بها عباده.
وأبهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة أيضاً، وقيل المعنى من وحيه وكلامه لا من كلام البشر، وفي هذه الآية ما يزجر الخائضين في شأن الروح المتكلفين لبيان ماهيته وإيضاح حقيقته أبلغ زجر ويردعهم أعظم ردع، وقد أطالوا المقال في هذا البحث بما لا يتسع له المقام وغالبه بل كله من الفضول الذي لا يأتي بنفع في دين ولا دنيا.
وقد حكى بعض المحققين أن أقوال المختلفين في الروح بلغت إلى ثمانية