للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي لا يهولك ذلك ولا يحزنك فقد أصاب مثل هذا من قبلك من المرسلين والأنبياء وعلى تقدير أن معنى تمنى حدّث نفسه كما حكاه الفراء والكسائي فإنهما قالا: يقال تمنى إذا حدث نفسه، فالمعنى أنه إذا حدث نفسه بشيء تكلم به الشيطان وألقاه في مسامع الناس من دون أن يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا جرى على لسانه.

قال ابن عطية: لا خلاف أن القاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة وقعت بها الفتنة، قال القاضي عياض: وهذا أحسن الوجوه وهو الذي يظهر ترجيحه، وكذا استحسن ابن العربي هذا التأويل، وقال في أمنيته في تلاوته، وقد قيل في تأويل الآية: إن المراد بالغرانيق الملائكة ويرد بقوله الآتي: (فينسخ الله ما يلقي الشيطان) أي يبطله، وشفاعة الملائكة غير باطلة.

وقيل إن ذلك جرى على لسانه سهواً ونسياناً وهما مجوزان على الأنبياء، ويرد بأن السهو والنسيان فيما طريقه البلاغ غير جائز، كما هو مقرر في مواطنه، قال الضحاك: يعني بالتمني التلاوة، والقراءة فينسخ الله أي جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال مجاهد: إذا تمنى أي تكلم وأمنيته كلامه، فأخبر تعالى في هذه الآية أن سنة الله في رسله إذا قالوا قولاً زاد الشيطان فيه من قبل نفسه فهذا نص في أن الشيطان زاد في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله لأنه معصوم، وقد شبق إلى ذلك الطبري مع جلالة قدره وسعة علمه وشدة ساعده في النظر فصوب هذا المعنى قاله الحافظ في الفتح؛ ثم لما سلاه سبحانه بهذه التسلية وأنها قد وقعت لمن قبله من الرسل والأنبياء بين سبحانه أنه يبطل ذلك ولا يثبته ولا يستحر تغرير الشيطان فقال:

(فينسخ الله ما يلقي الشيطان) أي يبطله ويجعله ذاهباً غير ثابت (ثم يحكم الله آياته) أي يثبتها (والله عليم حكيم) أي كثير العلم والحكمة في كل أقواله وأفعاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>