للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي القرطبي. قال العلماء: رفع الحرج إنما هو لمن استقام على منهاج الشرع؛ وأما السُّرّاق وأصحاب الحدود فعليهم الحرج وهم جاعلوه على أنفسهم بمفارقتهم الدين، وليس في الشرع أعظم حرجاً من إلزام ثبات رجل لاثنين في سبيل الله، لكنه مع صحة اليقين وجودة العزم ليس بحرج، انتهى.

والمعنى الأول أولى، والظاهر أن الآية أعم من هذا كله فقط حط سبحانه ما فيه مشقة من التكاليف على عباده إما بإسقاطها من الأصل وعدم التكليف بها كما كلف بها غيرهم أو بالتخفيف، وتجويز العدول إلى بدل لا مشقة فيه أو بمشروعية التخلص عن الذنب بالوجه الذي شرعه الله، وما أنفع هذه الآية وأجل موقعها وأعظم فائدتها، ومثلها قوله سبحانه: (فاتقوا الله ما استطعتم) وقوله: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله: (ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحمِّلنا ما لا طاقة لنا به) وفي الحديث الصحيح أنه سبحانه قال: " قد فعلت " كما سبق بيانه في تفسير هذه الآية والأحاديث في هذا كثيرة.

وعن عائشة أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية فقال: " الضيق ". وقال أبو هريرة لابن عباس: أما علينا في الدين من حرج في أن نسرق أو نزني؟ قال: بلى؛ قال: فما هذه الآية؟ قال: الإصر الذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم، وعن ابن عباس كان يقول: وما جعل عليكم في الدين من حرج، توسعة الإسلام وما جعل الله من التوبة والكفارات، وعنه قال: هذا في هلال رمضان إذا شك فيه الناس، وفي الحج إذا شكوا في الأضحى، وفي الفطر وأشباهه، وعنه سئل عن الحرج فقال: ادع لي رجلاً من هذيل فجاءه فقال: ما الحرج فيكم؟ قال: الحرجة من الشجر التي ليس فيها مخرج، فقال ابن عباس: الذي ليس له مخرج، وفي لفظ قال الهذيلي: الشيء الضيق قال: هو ذاك، وعن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية ثم قال: ادع لي رجلاً من بني مدلج وقال: ما الحرج فيكم؟ قال: الضيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>