عليه، فإنهم كانوا يكرهونهن، وهن يردن التعفف، وليس لتخصيص النهي بصورة إرادتهن التعفف عن الزنا، وقيل: إن هذا الشرط خرج مخرج الغالب لأن الغالب أن الإكراه لا يكون إلا عند إرادة التحصن، فلا يلزم منه جواز الإكراه عند عدم إرادة التحصن، وهذا الوجه أقوى هذه الوجوه.
فإن الأمة قد تكون غير مريدة للحلال، ولا للحرام، كما فيمن لا رغبة لها في النكاح، والصغيرة، فتوصف بأنها مكرهة على الزنا مع عدم إرادتها للتحصن، فلا يتم ما قيل من أنه لا يتصور الإكراه إلا عند إرادة التحصن إلا أن يقال إن المراد بالتحصن هنا مجرد التعفف، وإنه لا يصدق على من كانت تريد الزواج أنها مريدة للتحصن، وهو بعيد. فقد قال الحبر ابن عباس: إن المراد بالتحصن: التعفف، والتزوج، وتابعه على ذلك غيره.
أخرج مسلم، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وغيرهم، عن جابر بن عبد الله قال: كان عبد الله بن أُبيّ يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئاً، وكانت كارهة، فأنزل الله هذه الآية. وذكر مسلم في صحيحه عن جابر أن جارية لعبد الله بن أبي يقال لها. مسيكة، وأخرى يقال لها: أميمة، وكان يريدهما على الزنا فشكتا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأنزل الله هذه الآية.
وأخرج البزار، وغيره، عن أنس نحو حديث جابر الأول، وعن علي ابن أبي طالب قال: كان أهل الجاهلية يبغين (١) إماؤهم فنهوا عن ذلك في الإسلام، وعن ابن عباس قال: كانوا في الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا يأخذون أجورهن فنزلت الآية، وقد ورد النهي منه صلى الله عليه وآله وسلم عن مهر البغي، وكسب الحجام، وحلوان الكاهن، ثم علل سبحانه هذا النهي بقوله: