في يومين الأحد والإثنين، وما بينهما في يومين الثلاثاء والأربعاء، والسماوات في يومين الخميس والجمعة، وفرغ من آخر ساعة من يوم الجمعة، وقيل في مقدار هذه المدة، لأنه لم يكن حينئذ ليل ولا نهار وإنما خلقها في ستة أيام وهو يقدر على أن يخلقها في لحظة، تعليماً لخلقه الرفق والتثبيت والتأني في الأمر والتؤدة والتدرج.
فإن قيل يلزم أن يكون خلق العرش بعد خلق السماوات والأرض، كما يفيده قوله:(ثم استوى على العرش) فيقال: إن كلمة (ثم) تدخل على خلق العرش بل على علوه على السماوات والأرض، والعرش في اللغة سرير الملك، والمراد هنا الجسم العظيم المحيط بالعالم الكائن فوق السماوات السبع، والاستواء صفة لله سبحانه معناها مباينته عن الخلق وكونه على الذات وفوق العالم، وقد تقدم الكلام عليها في سورة الأعراف وأخواتها.
قال الشوكاني رحمه الله تعالى: أعلم أن الكلام في الآيات والأحاديث الواردة في الصفات قد طالت ذيوله وتشعبت أطرافه، وتباينت فيه المذاهب وتفاوتت فيه الطرائق، وتخالفت النحل، وسبب هذا عدم وقوف المنتسبين إلى العلم حيث أوقفهم الله، ودخولهم في أبواب لم يأذن الله لهم بدخولها، ومحاولتهم لعلم شيء استأثر الله بعلمه، حتى تفرقوا فرقاً وتشعبوا شعباً وصاروا أحزاباً كانوا في البداية، ومحاولة الوصول إلى ما يتصورونه من العامة مختلفي المقاصد متبايني المطالب فطائفة -وهي أخف هذه الطوائف المتكلفة، علم ما لم يكلفها الله سبحانه بعلمه إثماً، وأقلها عقوبة وجرماً- وهي التي أرادت الوصول إلى الحق والوقوف على الصواب لكن سلكت في طلبه طريقة متوعرة، وصعدت في الكشف عنه إلى عقب: كؤود، لا يرجع من سلكها سالماً فضلاً عن أن يظفر فيها بمطلوب صحيح، ومع هذا أصّلوا أصولاً ظنوها حقاً، فدفعوا بها آيات قرآنية، وأحاديث صحيحة نبوية واعتلوا في ذلك الدفع بشبهة واهية وحالات مختلفة.