الناس إليها، وجادلوا عنها، وناضلوا المخالفين، حتى اختلط المعروف بالمنكر، واشتبه على العامة الحق بالباطل، والسنّة بالبدعة.
ولما كان الله سبحانه، قد تكفل بإظهار دينه على الدين كله، وحفظه عن التحريف، والتغيير، والتبديل، أوجد من علماء الكتاب والسنّة في كل عصر من العصور. من يبين للناس دينهم، وينكر على أهل البدع بدعهم، فكان لهم -ولله الحمد- المقامات المحمودة، والمواقف المشهورة في نصر الدين، وهتك المبتدعين، وبهذا الكلام القليل الذي ذكرناه، تعرف أن مذهب السلف من الصحابة، والتابعين، وتابعيهم، هو إمرار أدلة الصفات على ظاهرها، من دون تحريف لها، ولا تأويل متعسف، لشيء منها، ولا جبر، ولا تشبيه، ولا تعطيل، يفضي إليه كثير من التأويل وكانوا إذا سأل سائل عن شيء من الصفات؛ تلوا عليه الدليل، وأمسكوا عن القال والقيل، وقالوا: قال الله هكذا ولا ندري بما سوى ذلك.
ولا نتكلف ولا نتكلم بما لم نعلمه ولا أذن الله لنا بمجاوزته فإن أراد السائل أن يظفر منهم بزيادة على الظاهر زجروه عن الخوض فيما لا يعنيه ونهوه عن طلب ما لا يمكن الوصول إليه بالوقوع في بدعة من البدع التي هي غير ما هم عليه وما حفظوه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحفظه التابعون عن الصحابة، وحفظه من بعد التابعين عن التابعين.
وكان في هذه القرون الفاضلة الكلمة في الصفات متحدة والطريقة لهم جميعاً متفقة، وكان اشتغالهم بما أمرهم الله بالاشتغال به، وكلفهم القيام بفرائضه من الإيمان بالله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وإنفاق الأموال، في أنواع البر وطلب العلم النافع وإرشاد الناس إلى الخير على اختلاف أنواعه والمحافظة على موجبات الفوز بالجنة والنجاة من النار، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ على يد الظالم بحسب الاستطاعة وبما تبلغ إليه القدرة ولم يشتغلوا بغير ذلك مما لم يكلفهم الله بعلمه ولا تعبدهم بالوقوف على حقيقته.