للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكان الدين إذ ذاك صافياً عن كدر الباع، خالصاً عن شوب قذر التمذهب، فعلى هذا النمط كان الصحابة والتابعون وتابعوهم وبهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اهتدوا وبأفعاله وأقواله اقتدوا، فمن قال إنهم تلبسوا بشيء من هذه المذاهب الناشئة في الصفات أو غيرها فقد أعظم عليهم الفرية وليس بمقبول في ذلك، فإن تقول الأئمة المطلبين على أحوالهم العارفين بها الأخذين لها عن الثقات الأثبات ترد عليه وعليهم وتدفع في وجهه.

يعلم ذلك كل من له علم، ويعرفه كل عارف، فاشدد يديك على هذا واعلم أنه مذهب خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ودع عنك ما حدث من تلك التمذهبات في الصفات، وأرح نفسك من تلك العبارات التي جاء بها المتكلمون واصطلحوا عليها وجعلوها أصلاً يرد إليه كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن وافقاها فقد وافقا الأصول المقررة في زعمهم، وإن خالفاها فقد خالفا الأصول المقررة في زعمهم، ويجعلون المرافق لها من قسم المقبول والمحكم والمخالف لها من قسم المردود والمتشابه، ولو جئت بألف آية واضحة الدلالة ظاهرة المعنى أو ألف حديث مما ثبت في الصحيح لم يبالوا به ولا رفعوا إليه رؤوسهم ولا عدوه شيئاًً.

ومن كان منكراً لهذا فعليه بكتب هذه الطوائف المصنفة في علم الكلام، فأنه سيقف على الحقيقة، ويسلم هذه الجملة، ولا يتردد فيها، ومن العجب العجيب والنبأ الغريب أن تلك العبارات الصادرة عن جماعة من أهل الكلام التي جعلها من بعدهم أصولاً لا مستند لها إلا مجرد الدعوى على العقل والفرية على الفطرة، وكل فرد من أفرادها تنازعت فيه عقولهم وتخالفت فيه إدراكاتهم، فهذا يقول حكم العقل في هذا كذا، وهذا يقول حكم العقل في هذا كذا، ثم يأتي بعدهم من يجعل ذلك الذي يعقله من يقلده ويقتدي به أصلاً يرجع إليه، ومعيار الكلام كلام الله وكلام رسوله يقبل منهما ما وافقه ويرد ما خالفه فيالله! ويا للمسلمين! ويا لطماء الدين من هذه الفواقر الموحشة التي لم يصب الإسلام وأهله بمثلها!.

<<  <  ج: ص:  >  >>