وأغرب من هذا، وأعجب، وأشنع، وأفظع، أنهم بعد أن جعلوا هذه التعقلات، التي تعقلوها، على اختلافهم فيها، وتناقضهم في معقولاتها، أصولاً ترد إليها أدلة الكتاب والسنة، جعلوها أيضاً معياراً لصفات الرب سبحانه، فما تعقله هذا من صفات الله، قال به جزماً، وما تعقله خصمه منها قطع به، فأثبتوا لله تعالى الشيء ونقيضه، استدلالاً بما حَكَمَت به في صفات الله عقولهم، الفاسدة، وتناقضت في شأنه. ولم يلتفتوا إلى ما وصف الله، نفسه، أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، بل إن وجدوا ذلك موافقاً لما تعقلوه؛ جعلوه مؤيداً له، ومقوياً. وقالوا قد ورد دليل السمع مطابقاً لدليل العقل، وإن وجدوه مخالفاً لما تعقلوه جعلوه وارداً على خلاف الأصل، ومتشابهاً، وغير معقول العنى، ولا ظاهر الدلالة، ثم قابلهم الخالف لهم بنقيض قولهم فافترى على عقله بأنه قد تعقل خلاف ما تعقله خصمه، وجعل ذلك أصلاً يرد إليه أدلة الكتاب والسنة وجعل التشابه عند أولئك محكماً عنده، والمخالف لدليل العقل عندهم موافقاً له عنده، فكان حاصل كلام هؤلاء أنهم يعلمون من صفات الله ما لا يعلمه، وكفاك بهذا -وليس بعده شي- وعنده يتعثر القلم حياء من الله عز وجل وربما استبعد هذا مستبعد واستكبره مستكبر وقال: إن في كلامي هذا مبالغة وتهويلاً وتشنيعاً وتطويلاً وأن الأمر أيسر من أن يكون حاصله هذا الحاصل الذي ذكرت، وثمرته مثل هذه الثمرة التي أشرت إليها، فأقول: خذ جملة البلوى وح تفصيلها واسمع ما يصك سمعك، ولولا هذا الإلحاح منك ما سمعته، ولا جرى القلم بمثله، هذا أبو علي وهو رأس من رؤوسهم، وركن من أركانهم، وأسطوانة مني أساطينهم، قد حكى عنه الكبار منهم.
وآخر من حكى ذلك عنه صاحب شرح القلائد، يقول: والله لا يعلم الله من نفسه إلا ما يعلم هو. فخذ هذا التصريح، حيث لم يكتف بذلك التلويح، وانظر هذه الجرأة على الله التي ليس بعدها جرأة، فيالأم أبي على الويل؟ أينهق بمثل هذا النهيق؟ ويدخل نفسه في هذا المضيق؟ وهل سمع