السامعون بيمين أفجر من هذه اليمين الملعونة؟ أو نقل الناقلون كلمة تقارب معنى هذه الكلمة المفتونة؟ أو بلغ مفتخر إلى ما بلغ إليه هذا المختال الفخور؟ أو وصل من يفجر في أيمانه إلى ما يقارب هذا الفجور؟ وكل عاقل يعلم أن أحدنا لو حلف أن ابنه أو أباه لا يعلم من نفسه إلا ما يعلمه هو لكان كاذباً في يمينه فاجراً فيها، لأن كل فرد من أفراد الناس ينطوي على صفات وغرائز، لا يحب أن يطلع عليها غيره، ويكره أن يقف على شيء منها سواه، ومن ذا الذي يدري بما يجول في خاطر غيره؟ ويستكن في ضميره؟ ومن ادعى علم ذلك وأنه يعلم من غيره من بني آدم ما يعلمه ذلك الغير من نفسه، ولا يعلم ذلك الغير من نفسه إلا ما يعلمه هذا المدير، فهو إما مصاب العقل بهذا، بما لا يدري، ويتكلم بما لا يفهم، أو كاذب شديد الكذب، عظيم الافتراء، فإن هذا أمر لا يعلمه غير الله سبحانه، فهو الذي يحول بين المرء وقلبه، ويعلم ما توسوس به نفسه، وما يسر عباده، وما يعلنون وما يظهرون وما يكتمون. كما أخبرنا بذلك في كتابه العزيز في غير موضع.
فقد خاب وخسر من أثبت لنفسه من العلم ما لا يعلمه إلا الله سبحانه من عباده، فما ظنك بمن جاوز هذا وتعداه؟ وأقسم بالله أن الله لا يعلم من نفسه إلا ما يعلمه هو؟ ولا يصح لنا أن نحمله على اختلاف العقل، فلو كان مجنوناً لم يكن رأساً يقتدى بقوله جماعات من أهل عصره، ومن جاء بعده، وينقلون كلامه في الدفاتر، ويحكون عنه في مقامات الاختلاف.
ولعل أتباع هذا ومن يقتدي بمذهبه، لو قال لهم قائل، وأورد عليهم مورد، قول الله عز وجل:(ولا يحيطون به علماً) وقوله: (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) وقال لهم هذا، يرد ما قاله صاحبهم، ويدل على أن يمينه هذه فاجرة مفتراة، لقالوا هذا ونحوه مما يدل دلالته ويفيد مفاده من المتشابه الوارد على خلاف دليل العقل المدفوع بالأصول المقررة.
وبالجملة فإطالة ذيول الكلام في مثل هذا المقام إضاعة للأوقات،